يطلق هذا الكتاب صيحة تحذير من خطورة أوضاع التعليم في الوطن العربي, سواء على مستوى المناهج الدراسية أو القائمين بالتدريس أو الدارسين أنفسهم, ناهيك عن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية التي تتم فيها العملية التعليمية.
-الكتاب: مستقبل التعليم العربي بين الكارثة والأمل
-المؤلف: محسن خضر
-الصفحات: 248
-الناشر: الدار المصرية اللبنانية, القاهرة
-الطبعة: الأولى/2008
ويحاول المؤلف وهو أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس, أن يقدم رؤية علمية لهذا الواقع المؤلم, وكيف يمكن تغييره حتى نعرف إلى أين يتجه مستقبلنا كعرب, إما إلى الكارثة وإما إلى الأمل.
وفي تقديمه للكتاب يقول شيخ التربويين د.حامد عمار إن العولمة وتداعياتها قد أخذت تكتسح ساحات مجتمعنا العربي في تحد رهيب, سواء بالغزو أو بالتهديد أو بآليات الضغط الناعمة, فلا فكاك من مواجهة أفاعيلها ومخاطرها, وبخاصة في محاولاتها لتفكيك المجتمع العربي, وتفريغ الثقافة القومية من قيمها وتوجهاتها.
وبالتالي يجب أن يلتزم التعليم في سياساته وهياكله ومناهجه بقضية الهوية كأولوية مطلقة, ليكون تعليما بالهوية وتعليما للهوية, في مقارعة اختراقات العولمة السياسية والاجتماعية والثقافية.
ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أقسام, حيث يطرح المؤلف في المقدمة أهمية الربط بين الإصلاح التربوي والإصلاح السياسي, مؤكدا أن الشعوب العربية تتطلع إلى ما هو أبعد من الإصلاح الجزئي، إنها تحتاج إلى تنمية شاملة مستدامة تحقق لها ما تسعى إليه من تغيير أعمق وأوسع إطارا, تحقق فيه المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية والأمن القومي.
إصـــــــلاح جـــــــزئي
ويشير المؤلف إلى أن الخطاب الرسمي العربي للإصلاح التربوي, الصادر في إعلان القاهرة عن المؤتمر العربي الإقليمي للتعليم عام 2004, بحضور وزراء التعليم, لا يعني أكثر من تعديلات وتجديدات جزئية وفنية, محكومة بالنظرة الوظيفية التي ترفض الاعتراف بالحاجة إلى تغيير جذري في النسق.
أما الإصلاح التعليمي الحقيقي فهو الإصلاح الشامل وانغراسه في الجسد التعليمي, وتغيير معادلات القوة والنفوذ والثروة في الداخل والخارج, هو الضمان للإصلاح التعليمي الحقيقي, وإلا فإن الإصلاح التربوي العربي سيظل خاضعا لمنظور صندوق النقد والبنك الدوليين, أكثر مما يخضع لتغيير شروط العلاقات الاجتماعية في الداخل والخارج.
ويعبر المؤلف عن مخاوفه من أن تصبح أغلب محاولات الإصلاح التربوي جزئية وفنية ونخبوية (إدخال الحاسوب في المدارس, تدريب المعلمين, تطوير الامتحانات...) ما دامت منفصلة عن إطارها وعمقها المنتج لها, والخطاب الغائب هو الحاجة إلى الرؤية الموسعة لعملية التربية والمصالح التربوية الممتزجة بالأطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في القسم الأول يتحدث المؤلف عن ضرورة تجديد النظام التربوي العربي ويتساءل: هل بنية النظام التربوي العربي مهيأة للاستجابة لتحدي المستقبل ؟
مؤشرات عديدة تؤكد عجز النظام التربوي عن الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تفرضها الثورة المعرفية والتقنية وتحديات العولمة, ما يفرض الحاجة مجددا إلى تجديد هذا النظام بالعودة إلى دروس الماضي وتأمل تجارب الأمم الأخرى
إن مؤشرات عديدة تؤكد عجز النظام التربوي عن الارتقاء إلى مستوى التحديات, التي تفرضها الثورة المعرفية والتقنية وتحديات العولمة, مما يفرض الحاجة مجددا إلى تجديد هذا النظام بالعودة إلى دروس الماضي وتأمل تجارب الأمم الأخرى.
وذلك مثلما حدث في ألمانيا بعد هزيمتها أمام نابليون, ومثلما حدث في اليابان, وفرنسا بعد أن اكتسحها هتلر, وهو ما حدث أيضا في أميركا عندما سبقها الروس في اكتشاف الفضاء.
وتم إعداد تقرير "الأمة في خطر" في بداية الثمانينات, ثم تقرير "تعليم الأمة الأميركية في الثمانينات" ليرسم تجديد النظام التربوي الأميركي, ليحقق السبق لهم بعد ذلك.
وتحت عنوان "الهوية الثقافية العربية: أزمة الواقع ومسارات المستقبل" يقول المؤلف إنه إذا كانت الهوية العربية ذات تراث إنساني عريق وقيم إنسانية سامية, فإن إحياءها يعد ضرورة للمستقبل, وإذا كان التعليم أداة من أدوات العولمة, فإن مسؤولية التعليم على امتصاص تأثيرات العولمة وتكييفها تبدو كبيرة.
علمنة التعليم
لقد حاولت الولايات المتحدة استغلال المجال التربوي والإعلامي لغايات السيطرة والاحتواء, وجعل هذه الفضاءات الإنسانية المتنوعة بتنوع الأمم, ميدانا خصبا لتوجيه الفكر, وأصبحت المساهمة الإيجابية حسب المفهوم الأميركي ترتبط في مجال التعليم في العالم الإسلامي بعملية "علمنته" وهنا تتزايد المخاوف من اعتبار التعليم قناة من قنوات العولمة وتهديد الهوية.
فعن طريق نظام التعليم المختزن في مدارس اللغات, وأقسام التعليم باللغات الأجنبية, والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية, تنشأ أجيال غير منتمية لثقافتها الأصلية, بقدر انتمائها للثقافة الأجنبية ذات الهيمنة الكونية.
ويشير المؤلف إلى عدة محاور تستند عليها العملية التعليمية لدعم الهوية, ومنها توافر مستوى لائق من الحياة للمواطنين, وتوفير الاحتياجات الأساسية من طعام ومسكن وعلاج وعمل, وتحقيق الكرامة الفردية عبر تأمين الحريات, والمعاملة الإنسانية التي تحقق كرامة الإنسان.
ومنها رد الاعتبار إلى الذات القومية والوقوف في وجه النزعة القطرية المنكفئة, ومنها تجديد التراث العربي وتنشيط دوره في تجديد المجتمع العربي, ومنها كذلك إنعاش اللغة العربية, حيث تشكل اللغة العربية والموروث الثقافي أساس الخصوصية الحضارية, وهي أبرز مظاهر الثقافة العربية.
ويؤكد المؤلف أن أزمة اللغة العربية المعاصرة, هي أزمة الهوية القومية في نفس الوقت, واللغة العربية هي من أكثر الميادين خطرا وشأنا, ففيها الخصوصية القومية, والوحدة الثقافية والتراث والاستمرارية الثقافية, وحيوية الفكر العلمي والإبداع الأدبي والمعتقد الديني.
وتتفاقم أزمة اللغة مع تأثيرات العولمة الثقافية, وغياب سياسة لغوية قومية, وتدهور مستويات تعليمها, ومزاحمة العامية واللغات الأجنبية لها في التحدث والاستعمال اليومي, وتغير خطط التعريب والاستهانة بها في الوسائط الإعلامية, وزحف التعليم باللغات الأخرى، وببساطة فإن أزمة اللغة العربية هي أزمة غياب إرادة سياسية للنهوض باللغة القومية.
من أجل نهوض باللغة العربية
وينبه المؤلف إلى مجموعة من المقترحات للنهوض باللغة العربية ومنها:
1 ـ وضع أسس موضوعية لسياسة لغوية عربية موحدة, تمكن أجهزة الإعلام من تحقيق التقارب بين مستويات التعبير اللغوي.
2 ـ توافر البنى الأساسية اللغوية التي تؤهل اللغة العربية للتفاعل مع لغات العالم الأخرى, سواء من حيث تنظيرها أو إعداد معاجمها أو برامج استخدامها عبر وسائط التقنية الحديثة.
3 ـ البدء بتأسيس خطاب علمي بالعربية عبر مشروعات قومية في التعريب أولا, وفي تأسيس مجالات علمية باللغة العربية, ودوريات متخصصة, وتكثيف المؤتمرات والندوات العلمية.
4 ـ تنمية اعتزاز الدارسين في مختلف المراحل التعليمية باللغة العربية, ودعم ثقتهم في قدرتها على استيعاب العلوم الحديثة.
5 ـ بناء أنظمة المعالجة الآلية وتحسينها وتقويمها.
6 ـ التطوير الجذري للتعليم, لكي يصبح منتجا للمعرفة والتقنية, وتنمية أساليب الحوار والنقد والإبداع في مراحل التعليم.
7 ـ تشجيع حركة الترجمة والارتفاع بمستوى تدريس اللغة الأجنبية في مختلف مراحل التعليم الجامعي.
ويطالب المؤلف في حديثه عن أزمة الجامعات العربية في عصر العولمة, بتوسيع فضاء الحرية الأكاديمية، حرية الأستاذ والطالب وحرية البحث العلمي, باعتبار أن إصلاح الجامعات العربية لن يبدأ إلا بتحقيق حريتها الأكاديمية, لتنطلق في مسيرتها بلا عراقيل.
إن الجامعات في العالم كله تتعرض لمستقبل غامض, تحت ثقل الضغوط من مطالب الدولة وتغيرات سوق العمل ومشاكل الانغلاق الفكري عن مواجهة التحديات.
وسوف يختفي العديد من المؤسسات الجامعية تحت وطأة الضغوط المتزايدة حولها, أو تنجح في إيجاد طريقة للخلاص, بشرط إحداث تغيير كبير, ويتخوف البعض من أن تفقد جامعات القرن الحادي والعشرين استقلالها أمام الضغوط التجارية والصناعية والمالية من قبل القطاع الخاص, وتراجع دور الأكاديميين في صنع قرارات الجامعة.
إحصاءات
ويشير المؤلف إلى بعض الأرقام المهمة منها أن عدد الجامعات العربية يبلغ نحو 150 جامعة, وكان 33 فقط في بداية السبعينات, وتعد السودان صاحبة أكبر عدد من الجامعات (15) ومن المفارقات أن جامعة القاهرة وحدها تستوعب عددا من الطلاب يوازي طلاب جامعات السودان كلها.
وزاد طلاب التعليم العالي العربي 210% مقارنة بعددهم في أوائل الثمانينات, بينما لا تتجاوز نسبة المقيدين في الماجستير 4% والدكتوراه 1.4% من إجمالي الخريجين, بينما في الدول المتقدمة تبلغ النسبة ما بين 10 و20%.
في القسمين الثاني والثالث من الكتاب وهما أقل حجما من القسم الأول, يتحدث المؤلف عن رؤية النخبة الأميركية لمستقبل التعليم, ويناقش فلسفة التعليم الأساسي, ويطرح قضية المكانة الاجتماعية للمعلم في المجتمع العربي المعاصر, ليصل إلى ما يسميه "الاحتراق النفسي" للمعلم العربي.
ويتساءل: ماذا فعلنا لنجتذب أفضل العناصر إلى مهنة التدريس؟ وماذا فعلنا لرفع مستوى إعداد هذا المعلم قبل تخرجه؟ ودوام تدريبه بعد تخرجه، وماذا وفرنا للمعلم من حياة كريمة ليتفرغ لمهمته ورسالته المفتوحة على المستقبل؟
إن الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها المعلم تؤدي إلى استنزاف جسمي وانفعالي, وأهم مظاهره: فقدان الاهتمام بالتلاميذ, وتبلد المشاعر, ونقص الدافعية, والأداء النمطي في العمل, ومقاومة التغيير, وفقدان الابتكارية, كما يؤدي إلى فقدان الدعم الاجتماعي ومهارات التكيف لمستوى الأحداث.
وبالتالي يقع المدرس فريسة للاحتراق النفسي, وتتعدد مصادر الضغوط المسببة للاحتراق النفسي, بين سلوك التلاميذ, وعلاقة المعلم بالموجه, وعلاقته العلمية بزملائه, والصراعات المدرسية, وعلاقة المعلم بالإدارة, والأعباء الإدارية, وغياب التفاهم مع الإدارة.. إلخ
ويطرح المؤلف عدة أفكار للتخفيف من حدة إجهاد المعلم واحتراقه النفسي ومنها: تعظيم قدرته على التأثير والتغيير التربوي بإنهاء الانفصال المؤسسي بين المعرفة النظرية والممارسة في التربية, ببناء مفهوم نقدي جديد لمعنى مهنة التعليم, ومنها تطوير نظم الإعداد بكليات التربية وإعداد المعلمين, من خلال الإصلاح التعليمي الشامل, وزيادة التدقيق في تمهين التعليم, والاهتمام بالتربية العملية.
اتجاهات متعددة
ومن الملاحظ تعدد الاتجاهات المعاصرة في إعداد المعلم وتدريبه، بين اتجاهات قائمة على أساس الكفايات وتطوير أدوار المعلم, واتجاهات قائمة على أساس استخدام النماذج (تنموي/سلوكي/إنساني) واتجاهات قائمة على أسلوب تحليل النظم, وأخرى على أسلوب التدريس المصغر، والمهم هو تشجيع المعلم على أداء دوره النقدي والابتكاري.
ويؤكد المؤلف على ضرورة اعتبار التعليم قضية أمن قومي, وربط الحق في التعليم بحقوق الإنسان والديمقراطية كإطار أوسع, وبالتالي يجب تطوير المدارس لكي تكون مكانا أفضل للعمل والتعلم, وأيضا يجب تحسين ظروف عمل المعلمين المادية والمهنية, وفي مقدمتها توسيع الحرية الأكاديمية, وتخفيف كثافة الفصول.
إن الطريق لا يزال طويلا لإعداد قادة ثقافيين في كليات التربية العربية, وليس مجرد إعداد أرقام بائسة جافة على خطوط الإنتاج، إن الدولة القوية هي نتاج معلمين أقوياء