العدوان على غزة:الدوافع والنتائج
في محاولتنا لفهم العدوان الوحشي الذي شنَّته قوات دولة يهود على قطاع غزة، لا بد لنا من تحليل دوافع دولة يهود والإدارة الأمريكية تحليلاً سياسياً لنتوصل من خلال فهم تلك الدوافع إلى فهم الأهداف السياسية المراد تحقيقها استناداً إلى النتائج المحسوسة التي تمخضت عن ذلك العدوان.
بدايةً لا بد لنا من تقرير حقيقة سياسية مهمة هنا مفادها أن أي عمل عسكري أو سياسي كبير تقوم به أو تحاول فرضه دولة يهود على الساحة الفلسطينية يتوجب عليها أن تأخذ عليه موافقة أمريكية كاملة أو ضوءاً أمريكياً على أقل تقدير.
فدولة يهود ملزمة - وفقاً لاتفاقيات ثنائية واضحة - على تنسيق جميع أعمالها مع الإدارة الأمريكية وذلك ليس فقط من الآن وإنما منذ حرب عام 1973م.
وبناء عليه فإن هذا العدوان الأخير على غزة شأنه شأن غيره من أعمالها العدوانية الأخرى فقد أخذت دولة يهود إذناً للقيام به من إدارة بوش. لكن ينبغي أن يلاحظ الفارق هنا وهو أن إدارة بوش لم تحرض هذه المرة قادة دولة يهود على إطالة أمد العدوان كما فعلت في حرب لبنان عام 2006م، ومن هنا كان الفرق واضحاً بين العدوانين، ففي حالة غزة كانت رغبة أمريكا بعدم التصعيد بخلاف رغبتها في حرب لبنان، وأما رغبة قادة يهود فكانت عكسية إذ كان لديهم ميل جارف للاستمرار بالعدوان لأطول مدة ممكنة. وقد أكدت ذلك استطلاعات الرأي، ومن الأدلة على ذلك أن أمريكا منعت عن جيش الاحتلال اليهودي من إيصال الذخيرة للطائرات والمعدات القتالية فادَّعت أن اليونان قد حجزت سفينة أمريكية تحمل الذخائر المطلوبة لاستمرار أمد العدوان بنفس كثافة النيران التي بدأتها، وكأن اليونان تملك قرارات أمريكا السيادي.
لقد كان بمقدور أمريكا بالطبع أن تقيم جسراً جوياً لتزويد جيش دولة يهود بالذخيرة كما فعلت في حرب تموز عام 2006م في لبنان، أو كما فعلت في حرب رمضان عام 1973م، لكنها لم ترغب بذلك، بل وأصرَّت على وقف العدوان، وسحب قوات الجيش اليهودي كاملاً من القطاع قبل تنصيب أوباما رئيساً، فامتثل أولمرت وباراك لهذه الرغبة الأمريكية من دون إبطاء.
أما دوافع دولة يهود من هذا العدوان فكانت تحقيق هدف لم يكن محدداً ولا واضحاً وهو تغيير الوضع الأمني في غزة، وهذا هدف مطاطي، ومعناه أن قادة يهود مُنحوا فرصة من قبل الإدارة الأمريكية للقيام بما يمكن أن يقوموا به من أجل تحقيق هذا الهدف (المتدرج) لكنهم فشلوا في تحقيقه، ولم تمنحهم أمريكا وقتاً إضافياً. لذلك فإن جيش الاحتلال اليهودي كان يسابق الزمن في محاولته للقضاء على البُنى العسكرية لحركة حماس، وتحويلها إلى حركة ضعيفة تقبل بإملاءات اليهود. في حين كانت دوافع الإدارة الأمريكية تتمثل في إثبات فشل العملية العسكرية اليهودية، وإخراج حركة حماس باعتبارها القوة الفلسطينية الرئيسة على الساحة الفلسطينية، وبصفتها اللاعب المستقبلي الأبرز من سائر اللاعبين الآخرين في المنطقة.
ولتكريس هذا الهدف تم ربط حماس ربطاً محكماً بمحور ما يسمى بدول الممانعة باعتباره المحور الأكثر فعالية في الضغط على الكيان اليهودي وتحجيمه. ومعلوم أن محوري ما يُسمى بدول الممانعة ودول الاعتدال المتصارعين كلاهما تابع للسياسة الأمريكية، فالمنطقة باتت تحت الهيمنة الأمريكية المطلقة ولا وجود لأي نفوذ أوروبي فاعل فيها، لأن أمريكا تسيطر على الكيان اليهودي سيطرة محكمة، ومن يسيطر على الكيان اليهودي يسيطر على المنطقة برمتها، وهذه بديهية من البديهيات السياسية المعروفة في المنطقة.
هذه هي الدوافع الحقيقية المتباينة التي حرَّكت أمريكا ودولة يهود على شن العدوان على غزة، وتلك هي أهداف كلتاهما من تحليل وفهم تلك الدوافع.
وأما النتائج التي تمخضت عن هذا العدوان فكانت فشلاً واضحاً للكيان اليهودي الذي عجز عن وقف إطلاق الصواريخ، والذي أخفق في أسر أي مقاتل من حماس أو من حركات المقاومة الأخرى. وأما قتل المدنيين، وتهديم المساكن فهذا لا يُعتبر إنجازاً بكل المقاييس العسكرية.
إن ما تحقق من نتائج قاطعة على الأرض يؤكد على ضرورة الاعتراف بحركة حماس ومنحها دوراً سياسياً مهماً في اللعبة السياسية الدولية والإقليمية، فقد سقطت مزاعم السلطة التي تعرقل عودة حماس إلى الساحة بفاعلية سياسية كالقول بضرورة رجوع حماس عن انقلابها كشرط مسبق للحوار أو المصالحة، وكذلك فقدت السلطة شعبيتها وذلك كمرحلة أولى تسبق فقدانها لدور قياداتها وكوادرها في الممارسة السياسية. لقد تأكدت فكرة أن المصالحة بين الفصائل تعني هدم مؤسسات منظمة التحرير البالية وإعادة بنائها على أسس جديدة تشارك فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي مشاركة سياسية فعّالة وعلى قدم المساواة مع حركة فتح.
إن هذه النتائج هي التي خطَّطت الولايات المتحدة لتحقيقها على الأرض، وهي أقرب ما تكون للأهداف الأمريكية المراد تسويقها بالمنطقة في قابل الأيام. فأمريكا تريد دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وشرقي القدس إلى جانب دولة يهود، ولا مجال لتحقيق ذلك مع قيادة هزيلة كقيادة محمود عباس الذي أصبح أشبه ما يكون بأنطوان لحد في علاقته مع سلطات الاحتلال، حيث أنه لا يملك أية أوراق ضاغطة على دولة يهود، لذلك كان لا بد من استبداله، لأن عباس قد أدّى دوراً معيناً في توقيت زمني محدد وانتهى دوره هذا مع انتهاء مرحلته.
والمطلوب اليوم من ناحية عملية من وجهة النظر الأمريكية والدولية إيجاد قيادة فلسطينية موحدة وقوية لمواجهة الغطرسة اليهودية شريطة أن لا تخرج تلك القيادة عن السياسات الأمريكية العامة في المنطقة.
وإشراك حماس مع فتح جديدة بقيادة جديدة، وحلة جديدة ربما يعتبر الوسيلة الأفعل في إخراج مشروع الدولة الفلسطينية إلى حيز الوجود، وتحقيق الرؤية الأمريكية الرامية إلى إيجاد دولتين في فلسطين.
على أن البدء في السير بهذه الخطة يستلزم البدء أولاً بإعادة تنقية حركة فتح من رجال محمود عباس ومن بقايا رجالات أوسلو، وبقايا رجالات الحرس القديم، ثم يلي ذلك إخراج هياكل فلسطينية توافقية تشارك فيها حماس مشاركة فاعلة إن لم تكن مشاركة قيادية، وقد تستغرق هذه المرحلة عاماً أو عامين على الأكثر.
التاريخ:22/01/2009الكاتب أو المصدر:أبو حمزة الخطواني/القدس
في محاولتنا لفهم العدوان الوحشي الذي شنَّته قوات دولة يهود على قطاع غزة، لا بد لنا من تحليل دوافع دولة يهود والإدارة الأمريكية تحليلاً سياسياً لنتوصل من خلال فهم تلك الدوافع إلى فهم الأهداف السياسية المراد تحقيقها استناداً إلى النتائج المحسوسة التي تمخضت عن ذلك العدوان.
بدايةً لا بد لنا من تقرير حقيقة سياسية مهمة هنا مفادها أن أي عمل عسكري أو سياسي كبير تقوم به أو تحاول فرضه دولة يهود على الساحة الفلسطينية يتوجب عليها أن تأخذ عليه موافقة أمريكية كاملة أو ضوءاً أمريكياً على أقل تقدير.
فدولة يهود ملزمة - وفقاً لاتفاقيات ثنائية واضحة - على تنسيق جميع أعمالها مع الإدارة الأمريكية وذلك ليس فقط من الآن وإنما منذ حرب عام 1973م.
وبناء عليه فإن هذا العدوان الأخير على غزة شأنه شأن غيره من أعمالها العدوانية الأخرى فقد أخذت دولة يهود إذناً للقيام به من إدارة بوش. لكن ينبغي أن يلاحظ الفارق هنا وهو أن إدارة بوش لم تحرض هذه المرة قادة دولة يهود على إطالة أمد العدوان كما فعلت في حرب لبنان عام 2006م، ومن هنا كان الفرق واضحاً بين العدوانين، ففي حالة غزة كانت رغبة أمريكا بعدم التصعيد بخلاف رغبتها في حرب لبنان، وأما رغبة قادة يهود فكانت عكسية إذ كان لديهم ميل جارف للاستمرار بالعدوان لأطول مدة ممكنة. وقد أكدت ذلك استطلاعات الرأي، ومن الأدلة على ذلك أن أمريكا منعت عن جيش الاحتلال اليهودي من إيصال الذخيرة للطائرات والمعدات القتالية فادَّعت أن اليونان قد حجزت سفينة أمريكية تحمل الذخائر المطلوبة لاستمرار أمد العدوان بنفس كثافة النيران التي بدأتها، وكأن اليونان تملك قرارات أمريكا السيادي.
لقد كان بمقدور أمريكا بالطبع أن تقيم جسراً جوياً لتزويد جيش دولة يهود بالذخيرة كما فعلت في حرب تموز عام 2006م في لبنان، أو كما فعلت في حرب رمضان عام 1973م، لكنها لم ترغب بذلك، بل وأصرَّت على وقف العدوان، وسحب قوات الجيش اليهودي كاملاً من القطاع قبل تنصيب أوباما رئيساً، فامتثل أولمرت وباراك لهذه الرغبة الأمريكية من دون إبطاء.
أما دوافع دولة يهود من هذا العدوان فكانت تحقيق هدف لم يكن محدداً ولا واضحاً وهو تغيير الوضع الأمني في غزة، وهذا هدف مطاطي، ومعناه أن قادة يهود مُنحوا فرصة من قبل الإدارة الأمريكية للقيام بما يمكن أن يقوموا به من أجل تحقيق هذا الهدف (المتدرج) لكنهم فشلوا في تحقيقه، ولم تمنحهم أمريكا وقتاً إضافياً. لذلك فإن جيش الاحتلال اليهودي كان يسابق الزمن في محاولته للقضاء على البُنى العسكرية لحركة حماس، وتحويلها إلى حركة ضعيفة تقبل بإملاءات اليهود. في حين كانت دوافع الإدارة الأمريكية تتمثل في إثبات فشل العملية العسكرية اليهودية، وإخراج حركة حماس باعتبارها القوة الفلسطينية الرئيسة على الساحة الفلسطينية، وبصفتها اللاعب المستقبلي الأبرز من سائر اللاعبين الآخرين في المنطقة.
ولتكريس هذا الهدف تم ربط حماس ربطاً محكماً بمحور ما يسمى بدول الممانعة باعتباره المحور الأكثر فعالية في الضغط على الكيان اليهودي وتحجيمه. ومعلوم أن محوري ما يُسمى بدول الممانعة ودول الاعتدال المتصارعين كلاهما تابع للسياسة الأمريكية، فالمنطقة باتت تحت الهيمنة الأمريكية المطلقة ولا وجود لأي نفوذ أوروبي فاعل فيها، لأن أمريكا تسيطر على الكيان اليهودي سيطرة محكمة، ومن يسيطر على الكيان اليهودي يسيطر على المنطقة برمتها، وهذه بديهية من البديهيات السياسية المعروفة في المنطقة.
هذه هي الدوافع الحقيقية المتباينة التي حرَّكت أمريكا ودولة يهود على شن العدوان على غزة، وتلك هي أهداف كلتاهما من تحليل وفهم تلك الدوافع.
وأما النتائج التي تمخضت عن هذا العدوان فكانت فشلاً واضحاً للكيان اليهودي الذي عجز عن وقف إطلاق الصواريخ، والذي أخفق في أسر أي مقاتل من حماس أو من حركات المقاومة الأخرى. وأما قتل المدنيين، وتهديم المساكن فهذا لا يُعتبر إنجازاً بكل المقاييس العسكرية.
إن ما تحقق من نتائج قاطعة على الأرض يؤكد على ضرورة الاعتراف بحركة حماس ومنحها دوراً سياسياً مهماً في اللعبة السياسية الدولية والإقليمية، فقد سقطت مزاعم السلطة التي تعرقل عودة حماس إلى الساحة بفاعلية سياسية كالقول بضرورة رجوع حماس عن انقلابها كشرط مسبق للحوار أو المصالحة، وكذلك فقدت السلطة شعبيتها وذلك كمرحلة أولى تسبق فقدانها لدور قياداتها وكوادرها في الممارسة السياسية. لقد تأكدت فكرة أن المصالحة بين الفصائل تعني هدم مؤسسات منظمة التحرير البالية وإعادة بنائها على أسس جديدة تشارك فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي مشاركة سياسية فعّالة وعلى قدم المساواة مع حركة فتح.
إن هذه النتائج هي التي خطَّطت الولايات المتحدة لتحقيقها على الأرض، وهي أقرب ما تكون للأهداف الأمريكية المراد تسويقها بالمنطقة في قابل الأيام. فأمريكا تريد دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وشرقي القدس إلى جانب دولة يهود، ولا مجال لتحقيق ذلك مع قيادة هزيلة كقيادة محمود عباس الذي أصبح أشبه ما يكون بأنطوان لحد في علاقته مع سلطات الاحتلال، حيث أنه لا يملك أية أوراق ضاغطة على دولة يهود، لذلك كان لا بد من استبداله، لأن عباس قد أدّى دوراً معيناً في توقيت زمني محدد وانتهى دوره هذا مع انتهاء مرحلته.
والمطلوب اليوم من ناحية عملية من وجهة النظر الأمريكية والدولية إيجاد قيادة فلسطينية موحدة وقوية لمواجهة الغطرسة اليهودية شريطة أن لا تخرج تلك القيادة عن السياسات الأمريكية العامة في المنطقة.
وإشراك حماس مع فتح جديدة بقيادة جديدة، وحلة جديدة ربما يعتبر الوسيلة الأفعل في إخراج مشروع الدولة الفلسطينية إلى حيز الوجود، وتحقيق الرؤية الأمريكية الرامية إلى إيجاد دولتين في فلسطين.
على أن البدء في السير بهذه الخطة يستلزم البدء أولاً بإعادة تنقية حركة فتح من رجال محمود عباس ومن بقايا رجالات أوسلو، وبقايا رجالات الحرس القديم، ثم يلي ذلك إخراج هياكل فلسطينية توافقية تشارك فيها حماس مشاركة فاعلة إن لم تكن مشاركة قيادية، وقد تستغرق هذه المرحلة عاماً أو عامين على الأكثر.
التاريخ:22/01/2009الكاتب أو المصدر:أبو حمزة الخطواني/القدس