بسم الله الرحمن
قصة قصيرة من تأليف : جميلة طلباوي
في ذلك الشارع الطويل الممتد كقدر يلازمنا ، يخلط أوراقنا يجرّدنا من تفاصيل الحكايا التي كان من الممكن أن تجعلنا أكثر اطمئنانا لهذه الحياة ، وجدت نفسي أخوض رحلة بحث عن لحظة أخرى غير تلك التي كانت تتقاذفني بين وجع يوغل الحزن عميقا في داخلي ، يحرمني لحظة سكون هو ملاذي بعيدا عن صخب أحداث تزاحمت في أيّامي .
ومرغمة وجدتني أقف مشدودة إليها غير مبالية بكل تلك الأشواك التي لم ترحم فؤادي وجدت دموعي التي كانت عزّة نفسي تحبسها تكاد تفلت منّي ،تعانق تلك الصغيرة التي وضعها قدر ذلك الشارع أمامي ، وجدتني لا أقاوم رغبتي في النظر إليها ، وقفت مكاني غير مبالية بالمارّة و كأنّني تحوّلت الى عمود بشري لا يصلح لنقل الكهرباء ولكن لديه القدرة على استهلاك كل تلك الأشعة المنبعثة من الشمس ليحولها الى حدث غير عادي بأنّ الحياة لم تنته عند لحظة ألم فظيعة ، وقفت أتأمّل الصغيرة و كأنّني أمعن النّظر الى خارطة قلب تضاريسه المرارة و الألم.
وقفت أتأمّلها و كم كانت صغيرة كأحلام الصبا في قلبي ، كم كانت جميلة تتوسد ركبة أمّها و كأنّها ملكت العالم بامتلاكها لأم ، فكم هو جميل أن يكون لك أمّا تنام على ركبتها و حين تضيق بك الدنيا بما رحبت و لا تجد ملاذا من آلام لحظاتك تجد قلب أمّ يحبّك ، يمنحك الشعور بأنّك تملك العالم و أنّك ستنتصر في النّهاية، أو على الأقل ستكون على يقين بأنّ لبيتك نوافذ و دفء يحميك من برد الشارع.
تسمّرت مكاني أسائل نفسي هل يمكن أن يكون وجعها أكثر من وجعي ، و هل تحمل خزّان دموع مثل الذي أحمل ، أم أنّ تلك الركبة تغنيها عن أيّ شيء في هذا العالم ؟
و كانت الصغيرة في الرصيف الآخر لا تبالي بنظراتي ، تتسمّر نظراتها في كفّ أمّها الممتدّة للمارّة علّها تحظى ببعض الدنانير ، و أنا أسائل نفسي هل كانت نظراتها توسلات لكف أمّها لتمتذّ إليها و تخفيها عن هذا العالم ، لتمدّها بالحنان الذي تحتاجه أم هي حيرة صبية أمام كف تقاوم البرد و الحرّ و تبقى ممتدّة تنتظر المحسنين ..
حاولت أن ألغي كلّ هذه الأسئلة من رأسي، لا أحتاج لحيلة أمارسها على أوجاعي حتى أفلت من قبضتها الى فضاء آخر حتى و لو كان أوجاعا أخرى لقلوب أخرى تغرقها الآلام و الدموع. و اتخذت قراري بقطع الطريق و التوجه إليها فعلّ قربي منها سيكون حدثا في يومها يخفّف بعض ما يحمله قلب الصغيرة من آلام.
تعثّرت خطاي و أنا أحاول قطع الطريق لأصل الى كف أمّ الصغيرة لأمنحها بضع دنانير علّها تجعل لنظرات الصغيرة بريقا آخر، و كنت كلّما خطوت خطوة إلا
و اكتظت السيارات في الطريق لا تريد منحي لحظة إفلات الى الرصيف الآخر ،
و أنا في عناد بقيت أنتظر لحظة الإفلات و كأنّني في مواجهة كبرى مع قدر
أو مصير كنت أستعجله ليخلّصني من شيء يثقل كاهلي.
وجاءت لحظة الإفلات ، خطواتي كانت أسرع ممّا تصورت ، انتابني شعور بأنّه صارت لي القدرة على الطيران بعيدا عن سجن الأرض ، هل اعتقدت لحظتها بأنّ الصغيرة ما وجدت هنالك إلا لأعثر عليها و أخلّصها من آلام لحظاتها و أمنحها السعادة التي تستحقها كفّها الصغيرة .و هل أملك أنا القدرة على تحقيق ذلك ؟
اقتربت منها أكثر فإذا بكف الأمّ تتحوّل نحوي ولكنّ نظرات الصغيرة بقيتا مسمّرتين في الفضاء ، ألم تكفها كلّ تلك الدنانير التي ملأت بها كفّ أمّها لأسعدها هي ، هل تريد أكثر أم تراها تمنّت لو قدّمت لها دمية تليق بطفولتها و تسعف أحلام طفولتي الضائعة منّي ، هل كانت ستقنع بشكولاطة أو بحلوى ؟
يا الهي لما وضعت هذه الصغيرة في طريقي ، لماذا هي بقوّة المغنطيس تشدّني إليها
و إلى ركبة أمّها .
وجدتني أستعيد قدرتي على الحديث بعدما أسكتتني آلامي و كأنّنا لا نشفى ممّا تسبّبه لنا آلامنا إلا بآلام أخرى .
وجدتني أسأل المرأة لماذا تخرج الصغيرة معها ، لماذا تعرض آلامها سافرة أمام كلّ النّاس ، فمن حق هذه الطفلة أن تلعب كالآخرين و أن تحفظ أغنياتهم البريئة بدلا من عبارات تتوسل بها المارة ، و يا ليتني ما سألتها ، و ليتني ما عرفت بأنّ تلك الصغيرة محكوم عليها أن تعيش في ظلام دامس ، تلك الصغيرة عمياء ، لم تسعد أمّها بأمومتها لها و لم يشفع لها التصاقها بتلك الركبة أن يحتضنها والدها و أن يمنحها دفء الأسرة ، حاولت أن أكذّب القصة فلبعض المتسولين طرقهم في الاحتيال للحصول على الدينار ، فقد لا تكون في الأصل ابنتها ، حاولت مرّة أخرى أن أجد إجابة تريحني من هموم الدنيا ، أمسكت يد الطفلة أريد منها الوقوف لأعرف الحقيقة و الطفلة لا تقف و الركبة التي تسندها هي كرسيها المتحرك ، أيّ ألم هذا أخفاه لي الشارع ليصفعني به ، هل أرادت اللحظات مواساتي بألم آخر أم تراني كنت أريد ركبة أمّ لآلام رأسي الكثيرة.
بقلم : جميلة طلباوي جانفي 2008م
قصة قصيرة من تأليف : جميلة طلباوي
أنين شارع
في ذلك الشارع الطويل الممتد كقدر يلازمنا ، يخلط أوراقنا يجرّدنا من تفاصيل الحكايا التي كان من الممكن أن تجعلنا أكثر اطمئنانا لهذه الحياة ، وجدت نفسي أخوض رحلة بحث عن لحظة أخرى غير تلك التي كانت تتقاذفني بين وجع يوغل الحزن عميقا في داخلي ، يحرمني لحظة سكون هو ملاذي بعيدا عن صخب أحداث تزاحمت في أيّامي .
ومرغمة وجدتني أقف مشدودة إليها غير مبالية بكل تلك الأشواك التي لم ترحم فؤادي وجدت دموعي التي كانت عزّة نفسي تحبسها تكاد تفلت منّي ،تعانق تلك الصغيرة التي وضعها قدر ذلك الشارع أمامي ، وجدتني لا أقاوم رغبتي في النظر إليها ، وقفت مكاني غير مبالية بالمارّة و كأنّني تحوّلت الى عمود بشري لا يصلح لنقل الكهرباء ولكن لديه القدرة على استهلاك كل تلك الأشعة المنبعثة من الشمس ليحولها الى حدث غير عادي بأنّ الحياة لم تنته عند لحظة ألم فظيعة ، وقفت أتأمّل الصغيرة و كأنّني أمعن النّظر الى خارطة قلب تضاريسه المرارة و الألم.
وقفت أتأمّلها و كم كانت صغيرة كأحلام الصبا في قلبي ، كم كانت جميلة تتوسد ركبة أمّها و كأنّها ملكت العالم بامتلاكها لأم ، فكم هو جميل أن يكون لك أمّا تنام على ركبتها و حين تضيق بك الدنيا بما رحبت و لا تجد ملاذا من آلام لحظاتك تجد قلب أمّ يحبّك ، يمنحك الشعور بأنّك تملك العالم و أنّك ستنتصر في النّهاية، أو على الأقل ستكون على يقين بأنّ لبيتك نوافذ و دفء يحميك من برد الشارع.
تسمّرت مكاني أسائل نفسي هل يمكن أن يكون وجعها أكثر من وجعي ، و هل تحمل خزّان دموع مثل الذي أحمل ، أم أنّ تلك الركبة تغنيها عن أيّ شيء في هذا العالم ؟
و كانت الصغيرة في الرصيف الآخر لا تبالي بنظراتي ، تتسمّر نظراتها في كفّ أمّها الممتدّة للمارّة علّها تحظى ببعض الدنانير ، و أنا أسائل نفسي هل كانت نظراتها توسلات لكف أمّها لتمتذّ إليها و تخفيها عن هذا العالم ، لتمدّها بالحنان الذي تحتاجه أم هي حيرة صبية أمام كف تقاوم البرد و الحرّ و تبقى ممتدّة تنتظر المحسنين ..
حاولت أن ألغي كلّ هذه الأسئلة من رأسي، لا أحتاج لحيلة أمارسها على أوجاعي حتى أفلت من قبضتها الى فضاء آخر حتى و لو كان أوجاعا أخرى لقلوب أخرى تغرقها الآلام و الدموع. و اتخذت قراري بقطع الطريق و التوجه إليها فعلّ قربي منها سيكون حدثا في يومها يخفّف بعض ما يحمله قلب الصغيرة من آلام.
تعثّرت خطاي و أنا أحاول قطع الطريق لأصل الى كف أمّ الصغيرة لأمنحها بضع دنانير علّها تجعل لنظرات الصغيرة بريقا آخر، و كنت كلّما خطوت خطوة إلا
و اكتظت السيارات في الطريق لا تريد منحي لحظة إفلات الى الرصيف الآخر ،
و أنا في عناد بقيت أنتظر لحظة الإفلات و كأنّني في مواجهة كبرى مع قدر
أو مصير كنت أستعجله ليخلّصني من شيء يثقل كاهلي.
وجاءت لحظة الإفلات ، خطواتي كانت أسرع ممّا تصورت ، انتابني شعور بأنّه صارت لي القدرة على الطيران بعيدا عن سجن الأرض ، هل اعتقدت لحظتها بأنّ الصغيرة ما وجدت هنالك إلا لأعثر عليها و أخلّصها من آلام لحظاتها و أمنحها السعادة التي تستحقها كفّها الصغيرة .و هل أملك أنا القدرة على تحقيق ذلك ؟
اقتربت منها أكثر فإذا بكف الأمّ تتحوّل نحوي ولكنّ نظرات الصغيرة بقيتا مسمّرتين في الفضاء ، ألم تكفها كلّ تلك الدنانير التي ملأت بها كفّ أمّها لأسعدها هي ، هل تريد أكثر أم تراها تمنّت لو قدّمت لها دمية تليق بطفولتها و تسعف أحلام طفولتي الضائعة منّي ، هل كانت ستقنع بشكولاطة أو بحلوى ؟
يا الهي لما وضعت هذه الصغيرة في طريقي ، لماذا هي بقوّة المغنطيس تشدّني إليها
و إلى ركبة أمّها .
وجدتني أستعيد قدرتي على الحديث بعدما أسكتتني آلامي و كأنّنا لا نشفى ممّا تسبّبه لنا آلامنا إلا بآلام أخرى .
وجدتني أسأل المرأة لماذا تخرج الصغيرة معها ، لماذا تعرض آلامها سافرة أمام كلّ النّاس ، فمن حق هذه الطفلة أن تلعب كالآخرين و أن تحفظ أغنياتهم البريئة بدلا من عبارات تتوسل بها المارة ، و يا ليتني ما سألتها ، و ليتني ما عرفت بأنّ تلك الصغيرة محكوم عليها أن تعيش في ظلام دامس ، تلك الصغيرة عمياء ، لم تسعد أمّها بأمومتها لها و لم يشفع لها التصاقها بتلك الركبة أن يحتضنها والدها و أن يمنحها دفء الأسرة ، حاولت أن أكذّب القصة فلبعض المتسولين طرقهم في الاحتيال للحصول على الدينار ، فقد لا تكون في الأصل ابنتها ، حاولت مرّة أخرى أن أجد إجابة تريحني من هموم الدنيا ، أمسكت يد الطفلة أريد منها الوقوف لأعرف الحقيقة و الطفلة لا تقف و الركبة التي تسندها هي كرسيها المتحرك ، أيّ ألم هذا أخفاه لي الشارع ليصفعني به ، هل أرادت اللحظات مواساتي بألم آخر أم تراني كنت أريد ركبة أمّ لآلام رأسي الكثيرة.
بقلم : جميلة طلباوي جانفي 2008م