الدستور هو المادة التي من خلالها تستوحى الأنظمة والقوانين التي تسير عليها الدولة لحل القضايا بأنواعها.
الدستور هو القانون الأسمى بالبلاد وهو يحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وتلتزم بة كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.
اولا : نشأة الدساتير وتطورها التاريخي .
ثانيا : تحديد مفهوم الدستور ودلالاته المختلفة .
ثالثا : مصادر القاعدة الدستورية وطرق أصدر الدساتير ( أنواع الدساتير ) .
رابعا : مكانة الدستور في النظام القانوني ( سمو الدستور ) .
خامسا : الرقابة على دستورية القوانين .
لقد عرفت بعض المدنيات القديمة الدساتير ومن ابرز الأمثلة على ذلك دستور المدينة اليونانية وعلى وجه التحديد دستور أثينا . وفي مرحلة العصور الوسطى لم يعد هنالك مجال للكلام عن دستور ولم يعد هناك كلام عن نظم سياسية تعترف بالحقوق والحريات او تعترف للإنسان بالمساهمة في الحياة السياسية . وساد الجهل الذي شمل سائر مرافق الحياة وهو ما عرف بعصر الإقطاع وكان هذا الواقع وهو واقع خاص بالدول الأوربية تسبب في نهضة فكرية شاملة تلتها نهضة صناعية كبيرة فظهرت الفلسفات والأفكار السياسية التي نادت بالحقوق والحريات وفصل السلطة عن الأشخاص الذين يمارسونها ومن هنا بدأت مرحلة تقييد الحكام بوثائق أطلق عليها فيما بعد بالدساتير وهي مرحلة يحددها الكثير من الكتاب في القرن التاسع عشر وفي مراحل تالية لهذه الحقبة الزمنية أصبحت الشعوب صاحبة السيادة ومصدر السلطة وفق الاتجاهات الفكرية السائدة .
مفهوم الدستور : تعددت تعريفات القانون الدستوري حسب وجهات نظر كل فقيه من فقهاء هذا العلم والملاحظ أن جميع هذه التعريفات تدور حول فكرة الحكم وسوف نعرض لتلك التعريفات كما جاءت بكتب الفقه . فمن هذه التعريفات من يرى أن القانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أمر الحكم في الدولة . ومنهم من يرى أن لا داعي لإدخال الدولة في التعريف حيث يرون أن قواعد القانون الدستوري تبين أمر الحكم في جماعة سياسية في وقت معين حيث يرون أن الدولة اسبق في الوجود من الدستور . والرد على ذلك أن الدولة إذا كانت اسبق في الوجود على الدستور فان الحكومة هي الأخرى تأخذ هذا الوضع لان الحكومة ركن من أركان الدولة . والإجماع الحاصل بين الفقهاء ألان أن قواعد القانون الدستوري تتعلق بشان كل ما يخص الحكم في الدولة فهي تقيم المؤسسات الحاكمة تبين اختصاصاتها والعلاقة بين السلطات وترسم معالم وملامح النظام السياسي كشكل الدولة وشكل الحكومة وحقوق وحريات الأفراد وما يقابلها من تكاليف وأعباء عامة .
مدلولات الدستور : هناك أربعة مدلولات للدستور نعرض لها :
a.. المدلول اللغوي : الأصل اللغوي لكلمة دستور هو فارسي الأصل حيث تفيد معنى الأساس أو القاعدة . وكانت الدساتير العربية التي صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين قد استعملت كلمة ( أساس ) كما هو شأن الدستور العراقي الصادر سنة 1925 تحت عنوان القانون الأساسي .
كذلك الدستور المصري الصادر سنة 1923 ويرى الكثير من فقهاء القانون الدستوري أن المعنى اللغوي لمصطلح الدستور يستغرق كافة فروع القانون باعتبار أن هذه الفروع قواعد تنظيمية وهو ما لا يتفق مع حقيقة دلالة القواعد الدستورية .
b.. المدلول التاريخي : ارتبط هذا المدلول لمصطلح الدستور بتاريخ فرنسا الدستوري في عهد (لويس فيليب الاورلياني )حيث قام الفقيه (جيتروا) بتدريس الدستور الذي صدر في ذلك العهد والذي أقام النظام الديموقراطي الحر . وبطبيعة الحال مثل هذا المدلول لا) يتجاوز الدراسة التاريخية إلى الدراسة العلمية كما هو ثابت .
c.. المدلول الشكلي : المقصود بالمدلول الشكلي للدستور هو أن كافة القواعد القانونية التي تنظمها وثيقة الدستور تعتبر قواعد دستورية بصرف النظر عن كونها تتناول أمور الحكم أو تتناول موضوعات أخرى غير هذا المعني .
d.. المدلول الموضوعي : يقصد بالمدلول الموضعي للدستور هو أن القاعدة القانونية تعتبر قاعدة دستورية إذا تناولت بالتنظيم أمور الحكم في الدولة ولا عبرة بمكان هذه القاعدة سواء اشتملت عليها وثيقة الدستور أم كانت خارج هذه الوثيقة .
من المعلوم أن مصادر القاعدة القانونية بوجه عام هي التشريع والفقه والقضاء والدين والعرف …الخ
ألا أن الفقهاء عندما يتناولون بالبحث مصادر الفنون الدستوري يتكلمون عن المصادر المكتوبة والمصادر العرفية وتدخل المصادر المكتوبة في دائرة التشريع أما المصادر العرفية فلا تعتبر كذلك باعتبارها مصادر مستقلة كما سنرى ذلك .
ويرتب الفقهاء على هذا المنهج ويرتب الفقهاء على هذا المنهج في البحث طرق إصدار الدساتير و أنواعها وسوف نتكلم عن طرق إصدار الدساتير . أما أنواع الدساتير فهي لا تخرج عن كونها دساتير مكتوبة ودساتير عرفية .
وكذلك من هذه الأنواع دساتير جامدة ودساتير مرنة كما سوف يبدوا لنا في ثنايا البحث :
- الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الى دساتير مدونة أي مكتوبة ودساتير غير مدونة أو غير مكتوبة ، والتدوين ليس مجرد تسجيل القاعدة في وثيقة مكتوبة وإنما المقصود به هو تسجيلها فى وثيقة رسمية من سلطة مختصة بذلك ، ويرى د. سعد عصفور في كتابه المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية ان الدستور يعتبر مدونا إذا كان في اغلبه صادر في شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية من المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدون إذا كان في أغلبه مستمدا من غير طريق التشريع اى من العرف والقضاء ، ويطلق بعض الفقهاء على الدستور غير المدون إصطلاح الدستور العرفي، إلا اننا نفضل استخدام إصطلاح الدستور غير المدون لأنه أكثر دقة حيث يتسع ليشمل المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
ويذكر د. مصطفى أبوزيد فهمي في كتابه النظرية العامة للدولة أننا إذا رجعنا الى التاريخ الدستوري لوجدنا ان الدساتير العرفية أي غير المدونة كان اسبق في الظهور من الدساتير المكتوبة، ومازالت إنجلترا حتى اليوم يحكمها دستور عرفي تكونت قواعده بالعادة والسوابق الدستورية المتكررة ، وإن كان بها عدد من الوثائق المكتوبة كالعهد الأعظم MAGNA CARTA الصادر سنة 1215 ووثيقة ملتمس الحقوق RETTION OF RIGHTS الصادرة سنة 1629 ، ووثيقة إعلان الحقوق BILL OF RIGHTS الصادرة سنة 1688 .
وأول الدساتير المكتوبة التي ظهرت في القرن الثامن عشر كانت دساتير الولايات الأمريكية التي بدأت توضع إبتداءً من سنة 1776 بعد إستقلال هذه الولايات عن إنجلترا ، فلما كونت هذه الولايات فيما بينها تعاهدا صدر دستور الدول المتعاهدة عام 1781، وبازدياد الروابط بينها تحولت الى نظام الدولة الاتحادية، وظهر الدستور الاتحادي سنة 1787 وهو نفسه الذي يحكم الولايات المتحدة اليوم بعد ان ادخلوا عليه الكثير من التعديلات.
ولما قامت الثورة الفرنسية اعتنق رجالها فكرة الدساتير المكتوبة، وكان أول دستور لهم وهو دستور 1791 دستورا مكتوبا ومنذ ذلك الحين وفرنسا تأخذ بالدساتير المكتوبة، ومن فرنسا وأمريكا انتشرت فكرة الدساتير المكتوبة الى كل بلاد العالم، فكل الدساتير التي توضع في أي بلد من بلاد العالم هي دساتير مكتوبة.
2 - الدساتير المرنة والدساتير الجامدة :
الدستور المرن هو الذي يمكن تعديله بنفس الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي، أما الدستور الجامد فهو ذلك الذي يتطلب في تعديله إجراءات أشد من الإجراءات التي يعدل بها القانون العادى، ويهدف واضعو أي دستور من جعله جامدا الى كفالة نوع من الثبات لأحكامه وذلك باشتراط تنظيم خاص يجعل تعديل الدستور عسيرا .
ويتراوح الدستور الجامد بين أحد أمرين إما حظر تعديل الدستور وإما إجازة التعديل بشروط خاصة أو مشددة .
ويذكر د. سعد عصفور ان واضعي الدساتير الذين يحظرون تعديلها لا يوردون فيها نصا بالحظر المطلق من كل قيد وإنما يلجأون عادة الى نوعين من الحظر ، الحظر الزمني بمعنى تحديد فترة زمنية تكفي لتثبيت أحكام الدستور قبل السماح باقتراح تعديلها، أو الحظر الموضوع وذلك بقصد حماية أحكام معينة في الدستور على نحو يحول دون تعديلها أصلا، ويتقرر هذا الحظر بالنسبة للأحكام الجوهرية في الدستور ولاسيما ما يتصل منها بنظام الحكم المقرر. ومن الدساتير التي اخذت بالحظر الموضوعي دستور البرتغال لسنة 1991 الذي يحظر تعديل شكل الحكومة الجمهوري، والدستور المصري لسنة 1923 الذي يحظر تعديل الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابي البرلماني ونظام وراثة العرش ومبادئ الحرية والمساواة.
أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة فهي تختلف إختلافا كبيراً فيما تورده من تنظيمات بشأن كيفية تعديلها وكيفية رد هذه الاختلافات للاعتبارات السياسية والفنية.
وتتمثل الاعتبارات السياسية في ان التنظيم المقرر لتعديل الدستور لابد وأن يراعي جانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، فالتنظيم الذي يتقرر لتعديل الدستور يجب ان يراعي في النظام الديموقراطي الشعب والبرلمان، وفي الدولة التي تتكون على شكل اتحاد الولايات يجب ان يراعي ظروف الأعضاء في الاتحاد .
أما الاعتبارات الفنية فتتمثل في أساليب الصياغة التي يأخذ بها واضعو الدساتير فيما يتعلق بالتعديل الدستوري. والجدير بالذكر ان التعديل الدستوري يمر بأربع مراحل أساسية هي اقتراح التعديل، وتقرير مبدأ التعديل، إعداد التعديل، إقرار التعديل نهائيا.
وقد يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور للحكومة وحدها أو للبرلمان وحده أو لكليهما معا، أو لكل من البرلمان والشعب. أما تقرير مبدأ التعديل فهو عادة ما يمنح للبرلمان سلطة الفصل فيما إذا كان هناك محل لتعديل الدستور باعتبار ان البرلمان يمثل الأمة وهو بهذا الوصف أكثر السلطات صلاحية للفصل فى مدى ضرورة التعديل، على ان بعض الدساتير تتطلب، بالإضافة الى موافقة البرلمان على إقرار مبدأ التعديل، موافقة الشعب .
أما إعداد التعديل فبعض الدساتير تتطلب انتخاب هيئة خاصة يعهد إليها بمهمة التعديل، إلا ان معظم الدساتير عهدت بمهمة إعداد التعديل الى البرلمان وفقا لشروط خاصة أهمها اجتماع البرلمان في شكل مؤتمر أو اشتراط نسبة خاصة في الحضور لصحة جلسات البرلمان أو في التصويت لصحة القرارات الصادرة منه أو في كليهما معا. وبالنسبة للإقرار النهائي للتعديل فإن معظم الدساتير تجعل نفس الهيئة التي توليها إختصاص إعداد التعديل الدستوري مختصة أيضا بإقراره نهائيا وهذه الهيئة تكون هيئة تنتخب خصيصا لأداء المهمة الموكولة إليها، مع تطلب شروط خاصة فيه. وتجعل بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل في يد الشعب ومن ثم تشترط إستطلاع رأيه عن طريق الاستفتاء الدستوري، وهو ما أخذ به دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 .
و ألان : نخص بالكلام طرق وضع الدساتير على وجه الإيجاز .
نتيجة لتطور وعي الشعوب وانتشار المبادئ الديموقراطية وبلورة فكرة سيادة الشعب حصل صدور الدساتير بشكل تدريجي وفقا لتطور تلك المفاهيم وذلك على الوجه التالي :
اولا طرق غير ديمقراطية لوضع الدساتير :
صدور الدساتير بطريقة المنحة :
صدرت بعض الدساتير بطريقة المنحة باعتبار الملوك هم أصحاب السيادة وتحت ضغط الشعوب وخشية نتائج هذه الضغوط تم تسامح الملوك بإصدار الدساتير بهذه الطريقة . وهذه الطريقة لا تقيد الاعتراف بسلطة الشعوب وحقهم في السيادة , وقد صدر الدستور المصري عام 1923 بهذه الطريقة .
طريقة العقد :
في هذه الطريقة اعترف الحكام بمشاركة الشعوب في السيادة وكأن السيادة أصبحت شركة بين الملوك والشعوب فصدرت بعض الدساتير بناء على هذا الاعتبار وهو ما يعبر عن تنامي الوعي الشعبي والخشية من الشعوب . وقد صدر الدستور العراقي عام 1925 بهذه الطريقة .
- طريقة المعاهدات الدولية :
بعض الدساتير يمكن ان ترجع في نشأتها الى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام 1815 والدستور الألماني لعام 1871، حيث يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية .
ثانيا : الطرق الديمقراطية لمنح الدساتير:
طريقة الجمعية التأسيسية :
تعتبر هذه الطريقة من الطرق الديموقراطية باعتبار الشعوب صاحبة السلطة حيث يختار الشعب جماعة معينة لوضع الدستور .وفقا لأهدافه وطموحاته .
طريقة الاستفتاء الدستوري :
في هذه الطريقة يتم اختيار جماعة معينة من الأشخاص لوضع الدستور وقد يكون هذا الاختيار من قبل الشعب او من قبل القوى السياسية الفاعلة او الجهة الحاكمة ….. ولا يتخذ الدستور الصفة الرسمية ألا بعد عرضه على الشعب في استفتاء عام . وهو ما يعبر عن التطبيق الفعلي للديموقراطية وذلك بالاعتراف بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة .
الدستور هو القانون الأسمى بالبلاد وهو يحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وتلتزم بة كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.
اولا : نشأة الدساتير وتطورها التاريخي .
ثانيا : تحديد مفهوم الدستور ودلالاته المختلفة .
ثالثا : مصادر القاعدة الدستورية وطرق أصدر الدساتير ( أنواع الدساتير ) .
رابعا : مكانة الدستور في النظام القانوني ( سمو الدستور ) .
خامسا : الرقابة على دستورية القوانين .
نشأة الدساتير وتطورها التاريخي :
لقد عرفت بعض المدنيات القديمة الدساتير ومن ابرز الأمثلة على ذلك دستور المدينة اليونانية وعلى وجه التحديد دستور أثينا . وفي مرحلة العصور الوسطى لم يعد هنالك مجال للكلام عن دستور ولم يعد هناك كلام عن نظم سياسية تعترف بالحقوق والحريات او تعترف للإنسان بالمساهمة في الحياة السياسية . وساد الجهل الذي شمل سائر مرافق الحياة وهو ما عرف بعصر الإقطاع وكان هذا الواقع وهو واقع خاص بالدول الأوربية تسبب في نهضة فكرية شاملة تلتها نهضة صناعية كبيرة فظهرت الفلسفات والأفكار السياسية التي نادت بالحقوق والحريات وفصل السلطة عن الأشخاص الذين يمارسونها ومن هنا بدأت مرحلة تقييد الحكام بوثائق أطلق عليها فيما بعد بالدساتير وهي مرحلة يحددها الكثير من الكتاب في القرن التاسع عشر وفي مراحل تالية لهذه الحقبة الزمنية أصبحت الشعوب صاحبة السيادة ومصدر السلطة وفق الاتجاهات الفكرية السائدة .
مفهوم الدستور ودلالاته المختلفة :
مفهوم الدستور : تعددت تعريفات القانون الدستوري حسب وجهات نظر كل فقيه من فقهاء هذا العلم والملاحظ أن جميع هذه التعريفات تدور حول فكرة الحكم وسوف نعرض لتلك التعريفات كما جاءت بكتب الفقه . فمن هذه التعريفات من يرى أن القانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أمر الحكم في الدولة . ومنهم من يرى أن لا داعي لإدخال الدولة في التعريف حيث يرون أن قواعد القانون الدستوري تبين أمر الحكم في جماعة سياسية في وقت معين حيث يرون أن الدولة اسبق في الوجود من الدستور . والرد على ذلك أن الدولة إذا كانت اسبق في الوجود على الدستور فان الحكومة هي الأخرى تأخذ هذا الوضع لان الحكومة ركن من أركان الدولة . والإجماع الحاصل بين الفقهاء ألان أن قواعد القانون الدستوري تتعلق بشان كل ما يخص الحكم في الدولة فهي تقيم المؤسسات الحاكمة تبين اختصاصاتها والعلاقة بين السلطات وترسم معالم وملامح النظام السياسي كشكل الدولة وشكل الحكومة وحقوق وحريات الأفراد وما يقابلها من تكاليف وأعباء عامة .
مدلولات الدستور : هناك أربعة مدلولات للدستور نعرض لها :
a.. المدلول اللغوي : الأصل اللغوي لكلمة دستور هو فارسي الأصل حيث تفيد معنى الأساس أو القاعدة . وكانت الدساتير العربية التي صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين قد استعملت كلمة ( أساس ) كما هو شأن الدستور العراقي الصادر سنة 1925 تحت عنوان القانون الأساسي .
كذلك الدستور المصري الصادر سنة 1923 ويرى الكثير من فقهاء القانون الدستوري أن المعنى اللغوي لمصطلح الدستور يستغرق كافة فروع القانون باعتبار أن هذه الفروع قواعد تنظيمية وهو ما لا يتفق مع حقيقة دلالة القواعد الدستورية .
b.. المدلول التاريخي : ارتبط هذا المدلول لمصطلح الدستور بتاريخ فرنسا الدستوري في عهد (لويس فيليب الاورلياني )حيث قام الفقيه (جيتروا) بتدريس الدستور الذي صدر في ذلك العهد والذي أقام النظام الديموقراطي الحر . وبطبيعة الحال مثل هذا المدلول لا) يتجاوز الدراسة التاريخية إلى الدراسة العلمية كما هو ثابت .
c.. المدلول الشكلي : المقصود بالمدلول الشكلي للدستور هو أن كافة القواعد القانونية التي تنظمها وثيقة الدستور تعتبر قواعد دستورية بصرف النظر عن كونها تتناول أمور الحكم أو تتناول موضوعات أخرى غير هذا المعني .
d.. المدلول الموضوعي : يقصد بالمدلول الموضعي للدستور هو أن القاعدة القانونية تعتبر قاعدة دستورية إذا تناولت بالتنظيم أمور الحكم في الدولة ولا عبرة بمكان هذه القاعدة سواء اشتملت عليها وثيقة الدستور أم كانت خارج هذه الوثيقة .
مصادر القاعدة الدستورية وطرق إصدار الدساتير ( أنواع الدساتير ) :
من المعلوم أن مصادر القاعدة القانونية بوجه عام هي التشريع والفقه والقضاء والدين والعرف …الخ
ألا أن الفقهاء عندما يتناولون بالبحث مصادر الفنون الدستوري يتكلمون عن المصادر المكتوبة والمصادر العرفية وتدخل المصادر المكتوبة في دائرة التشريع أما المصادر العرفية فلا تعتبر كذلك باعتبارها مصادر مستقلة كما سنرى ذلك .
ويرتب الفقهاء على هذا المنهج ويرتب الفقهاء على هذا المنهج في البحث طرق إصدار الدساتير و أنواعها وسوف نتكلم عن طرق إصدار الدساتير . أما أنواع الدساتير فهي لا تخرج عن كونها دساتير مكتوبة ودساتير عرفية .
وكذلك من هذه الأنواع دساتير جامدة ودساتير مرنة كما سوف يبدوا لنا في ثنايا البحث :
- الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الى دساتير مدونة أي مكتوبة ودساتير غير مدونة أو غير مكتوبة ، والتدوين ليس مجرد تسجيل القاعدة في وثيقة مكتوبة وإنما المقصود به هو تسجيلها فى وثيقة رسمية من سلطة مختصة بذلك ، ويرى د. سعد عصفور في كتابه المبادئ الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية ان الدستور يعتبر مدونا إذا كان في اغلبه صادر في شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية من المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدون إذا كان في أغلبه مستمدا من غير طريق التشريع اى من العرف والقضاء ، ويطلق بعض الفقهاء على الدستور غير المدون إصطلاح الدستور العرفي، إلا اننا نفضل استخدام إصطلاح الدستور غير المدون لأنه أكثر دقة حيث يتسع ليشمل المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
ويذكر د. مصطفى أبوزيد فهمي في كتابه النظرية العامة للدولة أننا إذا رجعنا الى التاريخ الدستوري لوجدنا ان الدساتير العرفية أي غير المدونة كان اسبق في الظهور من الدساتير المكتوبة، ومازالت إنجلترا حتى اليوم يحكمها دستور عرفي تكونت قواعده بالعادة والسوابق الدستورية المتكررة ، وإن كان بها عدد من الوثائق المكتوبة كالعهد الأعظم MAGNA CARTA الصادر سنة 1215 ووثيقة ملتمس الحقوق RETTION OF RIGHTS الصادرة سنة 1629 ، ووثيقة إعلان الحقوق BILL OF RIGHTS الصادرة سنة 1688 .
وأول الدساتير المكتوبة التي ظهرت في القرن الثامن عشر كانت دساتير الولايات الأمريكية التي بدأت توضع إبتداءً من سنة 1776 بعد إستقلال هذه الولايات عن إنجلترا ، فلما كونت هذه الولايات فيما بينها تعاهدا صدر دستور الدول المتعاهدة عام 1781، وبازدياد الروابط بينها تحولت الى نظام الدولة الاتحادية، وظهر الدستور الاتحادي سنة 1787 وهو نفسه الذي يحكم الولايات المتحدة اليوم بعد ان ادخلوا عليه الكثير من التعديلات.
ولما قامت الثورة الفرنسية اعتنق رجالها فكرة الدساتير المكتوبة، وكان أول دستور لهم وهو دستور 1791 دستورا مكتوبا ومنذ ذلك الحين وفرنسا تأخذ بالدساتير المكتوبة، ومن فرنسا وأمريكا انتشرت فكرة الدساتير المكتوبة الى كل بلاد العالم، فكل الدساتير التي توضع في أي بلد من بلاد العالم هي دساتير مكتوبة.
2 - الدساتير المرنة والدساتير الجامدة :
الدستور المرن هو الذي يمكن تعديله بنفس الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي، أما الدستور الجامد فهو ذلك الذي يتطلب في تعديله إجراءات أشد من الإجراءات التي يعدل بها القانون العادى، ويهدف واضعو أي دستور من جعله جامدا الى كفالة نوع من الثبات لأحكامه وذلك باشتراط تنظيم خاص يجعل تعديل الدستور عسيرا .
ويتراوح الدستور الجامد بين أحد أمرين إما حظر تعديل الدستور وإما إجازة التعديل بشروط خاصة أو مشددة .
ويذكر د. سعد عصفور ان واضعي الدساتير الذين يحظرون تعديلها لا يوردون فيها نصا بالحظر المطلق من كل قيد وإنما يلجأون عادة الى نوعين من الحظر ، الحظر الزمني بمعنى تحديد فترة زمنية تكفي لتثبيت أحكام الدستور قبل السماح باقتراح تعديلها، أو الحظر الموضوع وذلك بقصد حماية أحكام معينة في الدستور على نحو يحول دون تعديلها أصلا، ويتقرر هذا الحظر بالنسبة للأحكام الجوهرية في الدستور ولاسيما ما يتصل منها بنظام الحكم المقرر. ومن الدساتير التي اخذت بالحظر الموضوعي دستور البرتغال لسنة 1991 الذي يحظر تعديل شكل الحكومة الجمهوري، والدستور المصري لسنة 1923 الذي يحظر تعديل الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابي البرلماني ونظام وراثة العرش ومبادئ الحرية والمساواة.
أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة فهي تختلف إختلافا كبيراً فيما تورده من تنظيمات بشأن كيفية تعديلها وكيفية رد هذه الاختلافات للاعتبارات السياسية والفنية.
وتتمثل الاعتبارات السياسية في ان التنظيم المقرر لتعديل الدستور لابد وأن يراعي جانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، فالتنظيم الذي يتقرر لتعديل الدستور يجب ان يراعي في النظام الديموقراطي الشعب والبرلمان، وفي الدولة التي تتكون على شكل اتحاد الولايات يجب ان يراعي ظروف الأعضاء في الاتحاد .
أما الاعتبارات الفنية فتتمثل في أساليب الصياغة التي يأخذ بها واضعو الدساتير فيما يتعلق بالتعديل الدستوري. والجدير بالذكر ان التعديل الدستوري يمر بأربع مراحل أساسية هي اقتراح التعديل، وتقرير مبدأ التعديل، إعداد التعديل، إقرار التعديل نهائيا.
وقد يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور للحكومة وحدها أو للبرلمان وحده أو لكليهما معا، أو لكل من البرلمان والشعب. أما تقرير مبدأ التعديل فهو عادة ما يمنح للبرلمان سلطة الفصل فيما إذا كان هناك محل لتعديل الدستور باعتبار ان البرلمان يمثل الأمة وهو بهذا الوصف أكثر السلطات صلاحية للفصل فى مدى ضرورة التعديل، على ان بعض الدساتير تتطلب، بالإضافة الى موافقة البرلمان على إقرار مبدأ التعديل، موافقة الشعب .
أما إعداد التعديل فبعض الدساتير تتطلب انتخاب هيئة خاصة يعهد إليها بمهمة التعديل، إلا ان معظم الدساتير عهدت بمهمة إعداد التعديل الى البرلمان وفقا لشروط خاصة أهمها اجتماع البرلمان في شكل مؤتمر أو اشتراط نسبة خاصة في الحضور لصحة جلسات البرلمان أو في التصويت لصحة القرارات الصادرة منه أو في كليهما معا. وبالنسبة للإقرار النهائي للتعديل فإن معظم الدساتير تجعل نفس الهيئة التي توليها إختصاص إعداد التعديل الدستوري مختصة أيضا بإقراره نهائيا وهذه الهيئة تكون هيئة تنتخب خصيصا لأداء المهمة الموكولة إليها، مع تطلب شروط خاصة فيه. وتجعل بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل في يد الشعب ومن ثم تشترط إستطلاع رأيه عن طريق الاستفتاء الدستوري، وهو ما أخذ به دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 .
و ألان : نخص بالكلام طرق وضع الدساتير على وجه الإيجاز .
نتيجة لتطور وعي الشعوب وانتشار المبادئ الديموقراطية وبلورة فكرة سيادة الشعب حصل صدور الدساتير بشكل تدريجي وفقا لتطور تلك المفاهيم وذلك على الوجه التالي :
اولا طرق غير ديمقراطية لوضع الدساتير :
صدور الدساتير بطريقة المنحة :
صدرت بعض الدساتير بطريقة المنحة باعتبار الملوك هم أصحاب السيادة وتحت ضغط الشعوب وخشية نتائج هذه الضغوط تم تسامح الملوك بإصدار الدساتير بهذه الطريقة . وهذه الطريقة لا تقيد الاعتراف بسلطة الشعوب وحقهم في السيادة , وقد صدر الدستور المصري عام 1923 بهذه الطريقة .
طريقة العقد :
في هذه الطريقة اعترف الحكام بمشاركة الشعوب في السيادة وكأن السيادة أصبحت شركة بين الملوك والشعوب فصدرت بعض الدساتير بناء على هذا الاعتبار وهو ما يعبر عن تنامي الوعي الشعبي والخشية من الشعوب . وقد صدر الدستور العراقي عام 1925 بهذه الطريقة .
- طريقة المعاهدات الدولية :
بعض الدساتير يمكن ان ترجع في نشأتها الى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام 1815 والدستور الألماني لعام 1871، حيث يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية .
ثانيا : الطرق الديمقراطية لمنح الدساتير:
طريقة الجمعية التأسيسية :
تعتبر هذه الطريقة من الطرق الديموقراطية باعتبار الشعوب صاحبة السلطة حيث يختار الشعب جماعة معينة لوضع الدستور .وفقا لأهدافه وطموحاته .
طريقة الاستفتاء الدستوري :
في هذه الطريقة يتم اختيار جماعة معينة من الأشخاص لوضع الدستور وقد يكون هذا الاختيار من قبل الشعب او من قبل القوى السياسية الفاعلة او الجهة الحاكمة ….. ولا يتخذ الدستور الصفة الرسمية ألا بعد عرضه على الشعب في استفتاء عام . وهو ما يعبر عن التطبيق الفعلي للديموقراطية وذلك بالاعتراف بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة .