كرامة المرأة في قوة الرجل :
المرأة ..
حياة الرجل ومأواه ..
والرجل..
حياة المرأة وزينتها ..
علاقة أبدية متكاملة ، لا يستغني فيها طرف عن الآخر .. ذلك أننا لا نتصور حياة على وجه الأرض في غياب طرف منهما ..
ولا فائدة من ماضي لا يلقننا دروسا ، وتاريخ لا نسن من عبره قوانين ..
ثبت في الشعر الجاهلي أن المرأة كانت محل احترام الرجل ، وكان يعتبر حفظ حيائها من الفضائل التي تزين صورته لديها ، فغض البصر من الحسنات التي تَحَلَّى بها العربي ، وهذه دلالة صفائه وعفته .. يقول عنترة بن شداد :
وَأَغُضُّ طَرْفيِ إِنْ بَدَتْ ليِ جَارَتِيْ ــ ــ حَتَّى يُوَارِيْ جَارَتِيْ مَـأْوَاهَا
وهذا أيضا ، لقيط بن يعمر الإيادي الجاهلي ، وهو يُحرِّض قومه على الاستعداد للحرب ، ويحذرهم مما يدبره لهم كسرى من مكائد ، يكشف لنا عن حياة كاملة تترجم هذه العلاقة القائمة بين الطرفين ، حيث يقول :
يَا قَوْمِ ،لاتأمنواـ إِنْ كُنْتُمْ غُيُراً عَلَى ــ ــ نِسَائِكُمْ ـ كِسْرَى وَمَا جَمَعَا
" الغيرة " لفظة كافية في البيت لترجمة المعاملة ..عند الجاهلين بصفة خاصة ..
الغيرة من الشيء تكون في حالة الشعور بالنقص اتجاهه ، عند النفوس المريضة والقلوب المعتوهة ، حينما يرفضون أن يروا الْمَغِيْرَ منه تميز عنهم في صفات محمودة ، فيتطلّعون إلى ما هو فيه من خير ونعيم .. وقد ينتقل هذا الشعور الخسيس إلى حسد ، ثم إلى ردع وتمني زوال نعمة المنعم عليه .. ونكتفي بهذا لنفهم العلاقة السيئة بين الغائر و الْمَغِيْرَ منه .. وما يلاقيه هذا الأخير من قمع وبطش وإهانة .. إنها الرغبة في تنغيص حياته.. ولو كان الرجل الجاهلي ينظر إلى المرأة هذه النظرة لكانت محل حقد وكراهية ،ولَهَضَمَ حقوقها ، ولقضى على نفسه بنفسه ..
لكن الشاعر قال : " إِنْ كُنْتُمْ غُيُراً عَلَى نِسَائِكُمْ " .
وشتان بين " مِنْ " و " عَلَى " .
فالغيرة على الشيء . تترسّخ في شعور الإنسان الباطن ، و الْمَغِيْرَ عليه يكون محل اهتمام ، وشدة حب ،وقوة تعلق إلى درجة عدم الاستغناء عنه .. والإنسان يغار على الشيء حينما يعلق بحياته فيرغب في امتلاكه ، والمحافظة عليه ، فهو موطن راحته ، وفضاء سكنه ، ومنبر مناجاته ،وموقع سعادته .. هذه هي علاقة الجاهلي بالمرأة . والنساء هاهنا هن الأم والزوجة والأخت والبنت ، وكل من وجبت حمايتها ..
ويكفي أن يبدأ كل شاعر جاهلي قصيدته بالبكاء على الأطلال وتذكر الحبيبة ، لتدرك مكانة المرأة في قلب الجاهلي ..
من هذه المنطلقات وغيرها ، كانت القبيلة الجاهلية ، حينما يقع الصراع بينها وبين نظيرتها ، وتفكر في إبادتها والإغارة عليها .. فضلا عن كونها تقتل لتصل إلى الغنائم ، تأخذ السبايا وعلى رأسهن المرأة ..
تثبيتا لعاهة مستدامة تّجسِّدها الغصّة الدائمة اللصيقة في حلق الجاهلي..إشفاءً للغليل منه..ولتدُلّنا الدلالة السلبية في عنصر الغصّة إلى مدى الحقد والكراهية اللتين يتملكان الانسان الجاهل ..
ذلك أن المرأة تمثل قمة كرامة الرجل الجاهلي ، وبقدر تعلقه بها وغيرته عليها ، بقدر ما تكون الإهانة والذل ..
انتقاما من المغلوب ، يتزوج غالبه زوجته أو ابنته أو أخته ، ويسترِقُّها ويستعبدها .. فمن منا يقدر حجم هذا الإذلال .. عندما تُسْبَى المرأة ويطأطئ الجاهلي رأسه طيلة حياته .. والجرح يوخزه ويؤلمه في كل لحظة من لحظات حياته .. ويبقى محل ازدراء بين القبائل .
بقدر ما هي المرأة مركز كرامة ، بقدر ما هي موضع إهانة ..
إذا ..والحرب سجال يوم لك ويوم عليك،لم تكن فيها الغلبة مطلقة لقبيلة ..
هذه الكرامة النسبية المتغيرة ، والتي أصبحت المرأة محورها الرئيسي ، تفقد نهائيا بسبب سبيها ..
الكرامة والسبي ، صفتان متناقضتان حمّلتا المرأة الكوارث ، وجعلتاها مصير فضيحة ، ومركز بؤس للرجل الجاهلي الذي كانت كرامته هي عقيدته وقد عبر القرآن الكريم عن الحالة بدقة متناهية يتأملها كل لبيب :
" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ٥٨ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ٥٩" سورة النحل : الآية 58 – 59
فهل ماتت مشاعر الرجل اتجاه المرأة نهائيا وقسا قلبه..أم تصارع واجب الحفاظ على الشرف والكرامة مع وأد البنت فتغلب الواجب على الحب ؟
" وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ٨ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ٩ " سورة التكوير : الآية 8 – 9
فالموؤدة ضحية نزاعات مصالح ، والبيئة قائمة على العصبية ..
وضيق الرزق عند الجاهلي أيضا تسبّب في وأدها..
وهذا صحابي جليل ، يتذكر أيام وأد ابنته ، وهو يقودها إلى قبرها ، وهي تعبث بلحيته ، وتضحك ببراءة تامة .. ويبكي البكاء الشديد ..
إنها الظروف القاسية وما يترتب عنها من هوان هي الدافع إلى قساوة الأب ..
ولئن كانت المرأة قد عانت في إنسانيتها ووجودها ، فقد جاء الإسلام بالفرج ، واستبدل الرذيلة بالفضيلة ، وجعل كوامن الضعف أسباب قوة .. وجعل حياتها من حياة الرجل ، وحث على حماية العرض وحتمت الأخوة الإسلامية وما يتبعها من مساواة ، على الرجل الدفاع عن المرأة ، وتوعد المدافع عنها بالجنة ..
ولما تشكلت القوة الإسلامية في المدينة المنورة ، وذهبت المرأة المسلمة المتحجبة إلى اليهودي الصائغ لتشتري ذهبا ، حاول أن يساومها في عورتها بأن تكشف عن ذراعها أو أحد أطراف جسدها ، حقدا على الحجاب الذي ميز المؤمنة عن المشركة ، فمنعته .. وقام غلامه بربط ذيل حجابها على الكرسي فقامت وتكشفت عورتها فاستغاثت : وا إسلاماه ! وكانت النتيجة أن أول مسلم قريب منها ينجدها ويطعن اليهودي ليرديه قتيلا ،والتف اليهود وسقط شهيدا .. وحاصر الرسول اليهود ، وطردهم ودعا عليهم ..
فمتى صينت كرامة المرأة ؟
عندما قوي الرجل بالإيمان ،وأدرك نتائج الأمور .
وهذا المعتصم بالله خليفة المسلمين ، تصله استغاثة المسلمة التي أسرها الروم :
"وا معتصماه ! وا إسلاماه.!"
فيسمع بالخبر ويقوم من على عرشه ويقول:
لبيك أختاه!
ويصل التهديد إلى ملك الروم فيبعثها في مجموعة من النساء، معززة مكرمة ، محملة بالهدايا .. إنها القوة التي حفظت كرامة المرأة ..
فالتاريخ الإسلامي شهد في حادثتين عظيمتين ، أن واجب كل مسلم حماية كرامة المرأة .. و واجب كل إمرأة الاجتهاد بكل ما أتيح لها من وسائل مادية ومعنوية في توفير ما تملك من أسباب قوة للرجل ..
فهي الأم والمعلمة التي تربي الأجيال فتقويهم في عقيدتهم وتغرس قيم الفضيلة فيهم ،وهي الزوجة والأخت والبنت التي تصلح فتصون كرامة الرجل .
فالعلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية وليست تعارضية .. الذكر قوام على الأنثى بدلالة توليه شؤونها .. والحماية متبادلة .. كلاهما يحمي شرف الآخر .. كل معد في مجال تخصصه ..
أسباب حفظ الكرامة :
لعل القارئ الكريم ، اهتدى إلى خلاصة ، بعد هذا التحليل المستقصى من الشواهد التاريخية المسرودة .. الخير الذي تجنيه المرأة من قوة الرجل ، والشر من ضعفه ...
ولعله اقتنع أن لا حياة للمرأة إلا في كنف رجل قوي ..
لكن هذه القوة المعنوية قبل المادية ، تبنى على أسس تربوية لا بد أن تعيها المرأة ، حتى تساهم سلوكا في تقوية الرجل .. وحتى يحصل ذلك ، لا بد أن تعرف متى تتسبب بسلوكها في إضعافه أو العكس..أن تعرف قيم الفضيلة فتعتنقها ، وتعرف الدمار النفسي المترتب عن ممارسة بعض قيم الرذيلة ..
إذا كانت هذه القوة هي أساس حفظ الكرامة .. فعلى المرأة أن تساعده في بلوغها ..
أن تعرف ما هو عيب في سلوكها فتجتنبه .. ما هو محمود من أفعال في مجتمعها فترتديه..أن تنضبط في سلوكها بضوابط المجتمع الذي تعيش فيه .. وضوابط المجتمع هي صفات تنحدر عن هُـوية الأمة التي ينتمي إليها الأفراد ..
ما لم يتحول هذا الفكر النظري إلى فعل ميداني .. تتأسس لشأنه جمعيات ثقافية ، ترفع شعار : القوة في حسن المعاملة ، والثقة المتبادلة ..
سيبقى الكلام حبرا على ورق ..وحديث تلوكه الألسن ..
إن الحضارات الجادة ، أسقطها " اللهو " عبر التاريخ ..
و الإسلام إنما يقصد من وراء حفظ الكرامة ، حفظ النفس و تقويتها لتقوم بجميع مهامها المنوطة بها ، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية .. حفظ المشاعر البشرية وإنفاقها في المنافع .. و في تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الذكر و الأنثى .. إنما يقصد إشاعة السلم .. والطمأنينة .. و إحقاق الحقوق .. و آداء الواجبات ..
الحـب بين الهداية والضلال: /من الفصل الثالث/ دار الأديب.وهران.الجزائر 2007.
المرأة ..
حياة الرجل ومأواه ..
والرجل..
حياة المرأة وزينتها ..
علاقة أبدية متكاملة ، لا يستغني فيها طرف عن الآخر .. ذلك أننا لا نتصور حياة على وجه الأرض في غياب طرف منهما ..
ولا فائدة من ماضي لا يلقننا دروسا ، وتاريخ لا نسن من عبره قوانين ..
ثبت في الشعر الجاهلي أن المرأة كانت محل احترام الرجل ، وكان يعتبر حفظ حيائها من الفضائل التي تزين صورته لديها ، فغض البصر من الحسنات التي تَحَلَّى بها العربي ، وهذه دلالة صفائه وعفته .. يقول عنترة بن شداد :
وَأَغُضُّ طَرْفيِ إِنْ بَدَتْ ليِ جَارَتِيْ ــ ــ حَتَّى يُوَارِيْ جَارَتِيْ مَـأْوَاهَا
وهذا أيضا ، لقيط بن يعمر الإيادي الجاهلي ، وهو يُحرِّض قومه على الاستعداد للحرب ، ويحذرهم مما يدبره لهم كسرى من مكائد ، يكشف لنا عن حياة كاملة تترجم هذه العلاقة القائمة بين الطرفين ، حيث يقول :
يَا قَوْمِ ،لاتأمنواـ إِنْ كُنْتُمْ غُيُراً عَلَى ــ ــ نِسَائِكُمْ ـ كِسْرَى وَمَا جَمَعَا
" الغيرة " لفظة كافية في البيت لترجمة المعاملة ..عند الجاهلين بصفة خاصة ..
الغيرة من الشيء تكون في حالة الشعور بالنقص اتجاهه ، عند النفوس المريضة والقلوب المعتوهة ، حينما يرفضون أن يروا الْمَغِيْرَ منه تميز عنهم في صفات محمودة ، فيتطلّعون إلى ما هو فيه من خير ونعيم .. وقد ينتقل هذا الشعور الخسيس إلى حسد ، ثم إلى ردع وتمني زوال نعمة المنعم عليه .. ونكتفي بهذا لنفهم العلاقة السيئة بين الغائر و الْمَغِيْرَ منه .. وما يلاقيه هذا الأخير من قمع وبطش وإهانة .. إنها الرغبة في تنغيص حياته.. ولو كان الرجل الجاهلي ينظر إلى المرأة هذه النظرة لكانت محل حقد وكراهية ،ولَهَضَمَ حقوقها ، ولقضى على نفسه بنفسه ..
لكن الشاعر قال : " إِنْ كُنْتُمْ غُيُراً عَلَى نِسَائِكُمْ " .
وشتان بين " مِنْ " و " عَلَى " .
فالغيرة على الشيء . تترسّخ في شعور الإنسان الباطن ، و الْمَغِيْرَ عليه يكون محل اهتمام ، وشدة حب ،وقوة تعلق إلى درجة عدم الاستغناء عنه .. والإنسان يغار على الشيء حينما يعلق بحياته فيرغب في امتلاكه ، والمحافظة عليه ، فهو موطن راحته ، وفضاء سكنه ، ومنبر مناجاته ،وموقع سعادته .. هذه هي علاقة الجاهلي بالمرأة . والنساء هاهنا هن الأم والزوجة والأخت والبنت ، وكل من وجبت حمايتها ..
ويكفي أن يبدأ كل شاعر جاهلي قصيدته بالبكاء على الأطلال وتذكر الحبيبة ، لتدرك مكانة المرأة في قلب الجاهلي ..
من هذه المنطلقات وغيرها ، كانت القبيلة الجاهلية ، حينما يقع الصراع بينها وبين نظيرتها ، وتفكر في إبادتها والإغارة عليها .. فضلا عن كونها تقتل لتصل إلى الغنائم ، تأخذ السبايا وعلى رأسهن المرأة ..
تثبيتا لعاهة مستدامة تّجسِّدها الغصّة الدائمة اللصيقة في حلق الجاهلي..إشفاءً للغليل منه..ولتدُلّنا الدلالة السلبية في عنصر الغصّة إلى مدى الحقد والكراهية اللتين يتملكان الانسان الجاهل ..
ذلك أن المرأة تمثل قمة كرامة الرجل الجاهلي ، وبقدر تعلقه بها وغيرته عليها ، بقدر ما تكون الإهانة والذل ..
انتقاما من المغلوب ، يتزوج غالبه زوجته أو ابنته أو أخته ، ويسترِقُّها ويستعبدها .. فمن منا يقدر حجم هذا الإذلال .. عندما تُسْبَى المرأة ويطأطئ الجاهلي رأسه طيلة حياته .. والجرح يوخزه ويؤلمه في كل لحظة من لحظات حياته .. ويبقى محل ازدراء بين القبائل .
بقدر ما هي المرأة مركز كرامة ، بقدر ما هي موضع إهانة ..
إذا ..والحرب سجال يوم لك ويوم عليك،لم تكن فيها الغلبة مطلقة لقبيلة ..
هذه الكرامة النسبية المتغيرة ، والتي أصبحت المرأة محورها الرئيسي ، تفقد نهائيا بسبب سبيها ..
الكرامة والسبي ، صفتان متناقضتان حمّلتا المرأة الكوارث ، وجعلتاها مصير فضيحة ، ومركز بؤس للرجل الجاهلي الذي كانت كرامته هي عقيدته وقد عبر القرآن الكريم عن الحالة بدقة متناهية يتأملها كل لبيب :
" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ٥٨ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ٥٩" سورة النحل : الآية 58 – 59
فهل ماتت مشاعر الرجل اتجاه المرأة نهائيا وقسا قلبه..أم تصارع واجب الحفاظ على الشرف والكرامة مع وأد البنت فتغلب الواجب على الحب ؟
" وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ٨ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ٩ " سورة التكوير : الآية 8 – 9
فالموؤدة ضحية نزاعات مصالح ، والبيئة قائمة على العصبية ..
وضيق الرزق عند الجاهلي أيضا تسبّب في وأدها..
وهذا صحابي جليل ، يتذكر أيام وأد ابنته ، وهو يقودها إلى قبرها ، وهي تعبث بلحيته ، وتضحك ببراءة تامة .. ويبكي البكاء الشديد ..
إنها الظروف القاسية وما يترتب عنها من هوان هي الدافع إلى قساوة الأب ..
ولئن كانت المرأة قد عانت في إنسانيتها ووجودها ، فقد جاء الإسلام بالفرج ، واستبدل الرذيلة بالفضيلة ، وجعل كوامن الضعف أسباب قوة .. وجعل حياتها من حياة الرجل ، وحث على حماية العرض وحتمت الأخوة الإسلامية وما يتبعها من مساواة ، على الرجل الدفاع عن المرأة ، وتوعد المدافع عنها بالجنة ..
ولما تشكلت القوة الإسلامية في المدينة المنورة ، وذهبت المرأة المسلمة المتحجبة إلى اليهودي الصائغ لتشتري ذهبا ، حاول أن يساومها في عورتها بأن تكشف عن ذراعها أو أحد أطراف جسدها ، حقدا على الحجاب الذي ميز المؤمنة عن المشركة ، فمنعته .. وقام غلامه بربط ذيل حجابها على الكرسي فقامت وتكشفت عورتها فاستغاثت : وا إسلاماه ! وكانت النتيجة أن أول مسلم قريب منها ينجدها ويطعن اليهودي ليرديه قتيلا ،والتف اليهود وسقط شهيدا .. وحاصر الرسول اليهود ، وطردهم ودعا عليهم ..
فمتى صينت كرامة المرأة ؟
عندما قوي الرجل بالإيمان ،وأدرك نتائج الأمور .
وهذا المعتصم بالله خليفة المسلمين ، تصله استغاثة المسلمة التي أسرها الروم :
"وا معتصماه ! وا إسلاماه.!"
فيسمع بالخبر ويقوم من على عرشه ويقول:
لبيك أختاه!
ويصل التهديد إلى ملك الروم فيبعثها في مجموعة من النساء، معززة مكرمة ، محملة بالهدايا .. إنها القوة التي حفظت كرامة المرأة ..
فالتاريخ الإسلامي شهد في حادثتين عظيمتين ، أن واجب كل مسلم حماية كرامة المرأة .. و واجب كل إمرأة الاجتهاد بكل ما أتيح لها من وسائل مادية ومعنوية في توفير ما تملك من أسباب قوة للرجل ..
فهي الأم والمعلمة التي تربي الأجيال فتقويهم في عقيدتهم وتغرس قيم الفضيلة فيهم ،وهي الزوجة والأخت والبنت التي تصلح فتصون كرامة الرجل .
فالعلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية وليست تعارضية .. الذكر قوام على الأنثى بدلالة توليه شؤونها .. والحماية متبادلة .. كلاهما يحمي شرف الآخر .. كل معد في مجال تخصصه ..
أسباب حفظ الكرامة :
لعل القارئ الكريم ، اهتدى إلى خلاصة ، بعد هذا التحليل المستقصى من الشواهد التاريخية المسرودة .. الخير الذي تجنيه المرأة من قوة الرجل ، والشر من ضعفه ...
ولعله اقتنع أن لا حياة للمرأة إلا في كنف رجل قوي ..
لكن هذه القوة المعنوية قبل المادية ، تبنى على أسس تربوية لا بد أن تعيها المرأة ، حتى تساهم سلوكا في تقوية الرجل .. وحتى يحصل ذلك ، لا بد أن تعرف متى تتسبب بسلوكها في إضعافه أو العكس..أن تعرف قيم الفضيلة فتعتنقها ، وتعرف الدمار النفسي المترتب عن ممارسة بعض قيم الرذيلة ..
إذا كانت هذه القوة هي أساس حفظ الكرامة .. فعلى المرأة أن تساعده في بلوغها ..
أن تعرف ما هو عيب في سلوكها فتجتنبه .. ما هو محمود من أفعال في مجتمعها فترتديه..أن تنضبط في سلوكها بضوابط المجتمع الذي تعيش فيه .. وضوابط المجتمع هي صفات تنحدر عن هُـوية الأمة التي ينتمي إليها الأفراد ..
ما لم يتحول هذا الفكر النظري إلى فعل ميداني .. تتأسس لشأنه جمعيات ثقافية ، ترفع شعار : القوة في حسن المعاملة ، والثقة المتبادلة ..
سيبقى الكلام حبرا على ورق ..وحديث تلوكه الألسن ..
إن الحضارات الجادة ، أسقطها " اللهو " عبر التاريخ ..
و الإسلام إنما يقصد من وراء حفظ الكرامة ، حفظ النفس و تقويتها لتقوم بجميع مهامها المنوطة بها ، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية .. حفظ المشاعر البشرية وإنفاقها في المنافع .. و في تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الذكر و الأنثى .. إنما يقصد إشاعة السلم .. والطمأنينة .. و إحقاق الحقوق .. و آداء الواجبات ..
الحـب بين الهداية والضلال: /من الفصل الثالث/ دار الأديب.وهران.الجزائر 2007.