ملتقى القانونيين العرب

اهلا بك زائرنا الكريم نتشرف بوجودك
نرجو الدخول ان كنت عضواً
ونرجو التسجيل ان لم تكن عضواً واهلا بك دائما

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى القانونيين العرب

اهلا بك زائرنا الكريم نتشرف بوجودك
نرجو الدخول ان كنت عضواً
ونرجو التسجيل ان لم تكن عضواً واهلا بك دائما

ملتقى القانونيين العرب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ملتقى القانونيين العرب

منتدى ثقافى متنوع للتعارف وتبادل الخبرات بين القانونيين وغيرهم من كل العالم العربى


3 مشترك

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:53 pm

    وردة الرمال


    كانت الصحراء تكاد تبتلعهما و السيّارة تندفع بين أمواجها بجنون. كلّ ّ شيء كان يوحي بطبيعة أجمل و هواء أنظف ممّا خلّفاه وراءهما ، أخيرا كان من حقّّهما أن يستكتشفا مكانا بلا ضجيج.

    كان شرودها أكثر من محيّر و كأنّها تحاول الهروب من شيء في داخلها بكلّ تلك المسافات و بموسيقى علا التي كانت تنساب في أجواء السيّارة لتخلق داخلها عوالمها الساحرة الجميلة بكلّ ما يبدعه هذا الفنّان الكبير محاولا رسم قوافل الجمال و كثبان الرّمال و أسرار الأشياء.

    تتوقف السيارة ، يكون هو أول من ينزل لاستكشاف المكان..نظراته توحي برغبة شديدة في امتلاك هذا الهواء النّقي..ينظر إليها مشيرا لها للالتحاق به.. تنزل كمن يحاول التأكّد من وجود قدميه بعدما اعتقدت بأنّها فقدتهما إلى الأبد.

    يمدّ يده إليها فتمدّ له يدا نحيلة مرتجفة ، يتأمّلها طويلا و كأنّه يحاول تركيب الصورة : هذه الصحراء و هذاه الملامح الحزينة ليتمتم:

    _ أخيرا ها نحن حصلنا على الهدوء الذي بحثنا عنه.

    تشيح بوجهها عنه و هي تحاول أن تمشي مسافة أطول ، تحاول أن تصل بقدميها إلى أعمق ما يمكن في تلك الرمال..تجلس أخيرا و كأنّها حطّت من كوكب خارجي بعد طول تحليق.

    هو الآخر يرمي بثقله على تلك الرمال ليتأمّل الأجواء و كأنّها شيء خارق للعادة وهبته الطبيعة لهذا المكان وحده دون كلّ الأماكن في العالم. كان هو يسترق النّظر اليها وهي تحاول أن تغلّب شعورا على نفسها بأنّها وحيدة في المكان، لا بل أنّ المكان كان مملكتها لا يشاركها فيه أحد.

    كان هو يفهم كلّ هذا ، موسيقى روحها كانت تصله نوتة نوتة،فهو الذي طالما عزف على أوتارها بإتقان، موسيقى كانت تدغدغ أعماقه و تعيد شريط الذكريات. يحاول أن يقول شيئا يكسر هذا الصّمت ليبعث في الأجواء شيئا من الحياة:

    - لماذا هذا الصمت؟

    تحاول أن تجيبه ، لكن شيئا يخرس لسانها ، يقترب منها أكثر و هو يسلّمها حفنة رمل ليقول:

    - هذا ما نملكه في هذه اللّحظات.

    تبتسم لتنطق أخيرا: و أنا لا أريد أكثر من هذا.

    - تشعرين بتحسّن؟

    - هذا أجمل ما يمكن أن يحدث ، أن أشعر بأنّني بعيدة عن كل تلك الوجوه و كلّ تلك التفاهات.

    - حاولي أن تنسي كلّ شيء، جئنا لنخلق عالما خاصا بنا.

    - ياه، يا أحمد من كان يصدّق بأنّ وراء تلك الكثبان الرملية هذا الاخضرار و هذه الواحة من النّخيل.

    - إنّها الصحراء، غريبة و أسرارها كثيرة

    - لكن ، لماذا نصبت كلّ تلك الأعداد من سعف النّخيل على الكثبان؟

    - لوقف زحف الرمال و العملية تسمّى تزراب.

    - و هل تزحف الرمال؟

    - نعم ، هذه تسمّى الرمال المتحرّكة تزعج الأهالي كثيرا فينظّمون "تويزة" أي عمل تطوعي جماعي لوقف زحفها بهذه الطريقة التي ترين، و الآن هيّا نواصل الطريق.

    انّه اكتشاف يحيلها على زمن الدهشة و الأسئلة الكثيرة، و تتحرّك مع تلك الرّمال رغبتها في معرفة المزيد عن هذه المنطقة خاصة و هي ترى أذرع الرمال تمتد لتصل إلى أسقف المنازل و إلى وسط الطريق المعبّدة و سيارتهما تخترق المكان. يسألها:

    - ما بك؟

    - ليتنا بقينا جالسين على تلك الرمال.

    - لكن يجب أن نصل في الوقت المناسب.

    تتطلّع بعينيها إلى مساكن الطين التي كانت تبدو كما الشيوخ المسنين يلتصقون بالماضي و يستحضرونه في ملامحهم و في كلّ شيء .

    أخيرا ها هو بيت عمّي مبارك قد يكون في الداخل و قد يكون في بستانه الصغير ،

    يطرق أحمد الباب لتخرج صبية في العاشرة تطلق صرخة:

    - الطبيب، الطبيب

    ليسمع من الداخل صراخ أطفال وكأنّ شيئا غير مرغوب فيه حضر.

    لا تفهم زينب شيئا ، لكنّ أحمد يبتسم و هو يتمتم :

    - أحيانا يضطرون لإخافة الأطفال بالطبيب الذي قد يعاقبهم بالحقنة ، و الحقنة غول عند الأطفال.

    ويخرج عمّي مبارك مرحبا:

    - مرحبا ، مرحبا

    - كانت الفرحة تنطق من عينيه و هو يقول:

    - الطبيب عندنا هو و أولاده ؟- مشيرا الى زينب- مرحبا يا سيدي مرحبا.

    تتطلّع إليها الصغيرة و هي تتأمّل فستانها الأنيق و شعرها الأسود المسدول على كتفيها.

    تنحني زينب لتقبّل الصبية ، يشير إليها عمّي مبارك أن تدخل إلى جهة النساء .

    تقبّلها خالتي الزهرة و ابنتها الكبرى، تجلس زينب و قد غمرتها نشوة اللّقاء الجميل مع هذه القلوب الطيّبة.

    تتأمّلها الصغيرة بنظراتها البريئة و ضفيرتيها الطويلتين، تمرّر يدها على رأسها لتسألها عن اسمها:

    - نورة

    هكذا تجيب الصغيرة ، تبتسم زينب ، تقبّلها و هي تقول:

    -اسمك جميل يا نورة ، و أنا اسمي زينب.

    و تظلّ عينا الطفلة ملتصقتين بهذه المرأة الشابّة لتفصح أخيرا عن سؤال يحيّرها:

    - انت طبيبة؟
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:53 pm

    تتنهّد زينب عميقا وهي تقول:

    -نعم، أنا طبيبة.

    و ترتسم ابتسامة غير متوقعة على وجه الصبية ، لكنّها تشبه وردة التي كانت هي

    و زوجها يتابعان حالتها قبل الحضور إلى هذا المكان. كانت لها نفس حيويتها قبل أن يتمكّن منها المرض و لم تعد تستطع أن تفعل لها شيئا لأنّ الخناق ضيّق على أصابعها ، على أنفاسها، على كلّ شيء فيها في زمن صعب قذر اللّحظات.

    ترتشف زينب الشاي و هي تصغي إلى خالتي الزهرة تحدّثها عن الأمراض التي تفتك بالنّاس في هذه البلدة خاصّة الأطفال منهم، و تؤكّد لها بأنّها لو كانت تملك الإمكانيات لناضلت من أجل أن تكون ابنتها الكبرى مريم طبيبة ، لكن في بلدتهم لا توجد ثانوية ، حتى الاكمالية لم تفتح أبوابها إلا هذه السنة، و العادات و التقاليد تجعل من المستحيل سفر مريم لتحقيق حلم أمّها .

    ألف سؤال يدور في رأس زينب عن الواقع الذي يعيشه هؤلاء الذين لا زالت الظروف تحكم عليهم بقسوة إلى درجة تجعل الرمال بساطهم حتى في وسط بيوتهم . تقترب منها مريم لتسألها:

    - أنت زوجة الطبيب أحمد؟

    - تبتسم زينب و تجيب:

    - نعم

    و تعود لتسألها:

    - تزوجتما عن حبّ، كنت" تبغيه"؟

    سؤال كما الدوّامة ، كما الصاعقة يجعل زينب تسوي من وضعية قدميها و هي جالسة لتجيبها:

    - نعم تزوجنا عن حبّ، منذ أن كنّا في الجامعة تعرّفنا على بعضنا و جمعتنا أشياء كثيرة.

    و تظلّ الصبية نورة تتأمّلها و كأنّها نزلت من كوكب آخر ..تطرق زينب طويلا

    و صورة الصغيرة وردة لا تفارقها منذ أن أحضرها والدها من بلدتها للعلاج، كانت علامات المرض بادية عليها ، و ببراءتها كانت تقاومه، كانت تريد مزيدا من الشكولاطة و الحلوى و كلّ الأشياء التي تحرم منها بمجرد العودة الى البيت.

    كان علاجها يتطلّب صبرا و طول نفس، لكن تكاليف أيضا و تنقل بين البلدة

    و المدينة.

    وغابت وردة مدّة طويلة ، حاولت خلالها زينب معرفة أخبارها دون جدوى ، حتى جاء ذلك السبت المشؤوم يوم التقت زينب بوالد وردة صدفة في المدينة ، لم تبال يومها بأحد و راحت تجري نحوه، تناديه بأعلى صوتها:

    - عمّي موسى ، عمي موسى..

    توقف الرجل نظر إليها و قد تعرّف عليها و على ما تريده منه ، يومها سألته زينب:

    أين وردة ؟

    سكت يومها عمّي موسى طويلا ليقول في ألم كبير:

    - وردة ماتت...

    صرخت حينها زينب و بكت ، أنّبته و اتهمته بأنّه السبب في موتها ..لماذا لم يحضر الصغيرة المصابة بالسكري و الفشل الكلوي للعلاج و إجراء التحاليل في الأوقات المحدّدة"

    شخص بصر الرجل للحظات ليقول لها:

    - الله غالب - تغلبت- ما لحقتش..

    بكت يومها زينب و كانت وردة تعني لها أكثر من مجرّد مريضة و لم يخرج زينب من عالم أفكارها سوى صوت مريم و هي تقول :

    - نحن هنا نعاني من مشاكل كثيرة ، كان زوجك الطبيب أحمد دائما يمدّنا بالأمل

    و ينصحنا بالإصرار من أجل التغلّب على ظروفنا القاسية، الله غالب هنالك مشاكل كثيرة لا نجد لها حلا.

    مريم هي كبرى إخوتها في ربيعها الثامن عشر لحسن حظها استطاعت أن تحصل على شهادة التعليم الأساسي بفضل مساعدة خالتها المقيمة في المدينة، لكن العادات

    و التقاليد فرضت على والدها أن يعيد ابنته إلى البيت فقد بلغت سنّ الزواج. أمور تدهش زينب التي كانت تظنّ بأنّ هذا الوضع انتهى و تجاوزه الزمن لكن يبدو أنّ الزمن أعرج في مدينتنا قد نراه مستقيما في جهة لتبدو عاهته في جهة أخرى.

    أحمد هو الآخر كان يحمل نفس الهاجس ، هاجس التغيير نحو الأفضل لهؤلاء الذين يسكنون عمق الصحراء، يصارعون الطبيعة القاسية التي خلقت عادات و تقاليد لا تقلّ عنها قدرة في قتل الإنسان و إبادته.

    أحمد تحدث مع عمّي مبارك عن أوضاع الفلاحة و عن البئر التي أصبح ماؤها مالحا بسبب الجفاف و عدم فيضان الوادي. حدّثه عن زحف الرمال و عن الهوايش و على رأسها العقرب و ما تفعله بالأهالي لولا-العزيمة-.

    والعزيمة حكاية أخرى أدخلت زينب عالما مغلقا على أكثر من سؤال ، فلم تستطع أن تخفي خوفها و هي تسمع نورة تقول:

    - ان نمت في – الحوش- تلسعك العقرب.

    و أكثر من ذلك أمّها و هي تضيف:

    - ما تخافيش يا الطبيبة أختي عندها العزيمة.

    لم تفهم عن العزيمة سوى أنّها كلمات سرّية يحفظها شخص فتصبح لديه المناعة من لسعة العقرب و قدرة على معالجة من تلسعه إذ يتعرّف على مكان وجود السمّ في الجسم يسحبه بالعزيمة إلى الأصبع، يجرح الأصبع يسيل الدم و معه السمّ فيشفى المريض.

    تمسك زينب رأسها و كأنّها تخشى عليه من السقوط.

    أحمد رغم كلّ شيء لا زال محتفظا بقدرته على الإبداع ، الرمال بين يديه تتحوّل إلى لوحات في منتهى الروعة و الجمال، انّه الوجه الآخر لهذا الطبيب الشاب . تتأمّله زينب و هو منهمك في إحدى لوحاته لتقول له ساخرة:

    - و تستطيع أن ترسم أيضا.
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:54 pm

    يبتسم أحمد و هو يجيب:

    - اذا لم أرسم هنا ، أين سأرسم؟ أنظري إلى هذه الكثبان الرملية العجيبة حولنا ، تأمّلي تدرّج الألوان من البني إلى البرتقالي ، إلى الأصفر...هنا أنا متأكّد بأنّني سأبدع أروع لوحاتي .

    ترتاح زينب لهذا الإصرار ، فتقول:

    - يعجبني فيك حماسك و يخيفني أيضا.

    - آه ،هذا ما أكرهه كلمة خوف ، الذي يأتي إلى هنا يجب أن يهزم الخوف.

    - يبدو أنّ الخوف أصبح قدرنا.

    تقولها زينب ليطرق أحمد عاجزا عن إيجاد الرد و هو يذكر تفاصيل الحكاية منذ أوّل خفقة من قلبه وهو يلتقيها في مدرّجات الجامعة يومها كان الخوف يسكنهما ، خوف من غد لا يعلمان عنه شيئا. آلاف الأسئلة راودتهما، قد لا يتمكّنان من مواصلة دراستهما ، قد يضطرّ هو للسفر إلى الخارج ، قد يرفض أهلهما زواجهما قد...

    أسئلة كثيرة طالما أرعبتهما و أسكنت الخوف في قلبيهما المحبّين، لكنّّهما يعترفان بأنّ هذا الخوف بعينه دفعهما إلى الإصرار على النّجاح و التفوق و التخرج من الجامعة بعد أن حقّقا حلمهما في الدراسة.

    حبّهما كان الشيء الذي أزعج الكثيرين ، لكنّه صمد و خرج من الجامعة ليكبر في الحياة.

    أهل أحمد لم يكونوا يرون في زينب الزوجة المناسبة له، أمّه اختارت له فتاة تليق بمستواهم الاجتماعي ، و أهل زينب عارضوا زواجها خوفا عليها من الفشل و من عائلة ترفضها ليقرّرا بعد ذلك الانفصال فتباعدا .

    عاش كلّ منهما الصراع ، المأساة و الضياع . كان كلّ منهما بدون الآخر يتيما في هذه الحياة.

    و كان ذات صباح حين جاء أحمد ليعلن لزينب قراره النّهائي بأنّ زواجه منها شيء لا يناقش . هجر بيت أهله و أعلن الثورة إلى أن افتكّ موافقتهم. الخبر لم تصدقه زينب

    و عاشت لحظات الخوف حتى أيّام عرسها بدل أن تعيش الفرح و نشوة الانتصار ، بل إن الفرح عاش معها أسوأ حالاته.

    لقد كانت تنحت حبّها لهذا الشاب على الصخر و هي تمسك الجمر. تذكر كلّ هذا ، تتنهّد و تقول:

    - كم عانينا يا أحمد.

    يردّ أحمد و يده تبتعد عن اللّوحة:

    - من كان يظن بأنّنا سنتزوّج بعد كلّ الذي حدث.

    - فيم كنت تفكّر لو لم نتزوّج؟

    - في الهجرة طبعا ، و أنت؟

    - لا أدري ، طول الوقت كان ينتابني شعور بأنّني فقدت أعضائي جميعا و أصبحت غير صالحة للحياة.

    - أصعب ما يمكن أن يحدث أن يحرم الإنسان ممّن يحب.

    - لكن أنت كنت مستعدا لذلك.

    - أنا، كيف؟

    - يوم صدّقت تلك الإشاعة التي نسجتها عنّي تلك الحثالة.

    - تقصدين سامية.

    - و من غيرها؟

    - آه إنها الغيرة و ما تفعله.

    لكن ما كان يزعج زينب أكثر هو إحساسها بأنّ أحمد كان يستمتع بحبّ سامية الجنوني له. لقد كانت مستعدة لأن تفعل أيّ شيء من أجله حتى يكون لها وحدها. كانت مستعدة للتخلّص من زينب و بأيّة طريقة أيضا، و لمّا فشلت في إقناع أحمد بأنّ زينب على علاقة مع أستاذها المشرف على رسالتها، انتفضت كالمجنونة أمام الجميع في المدرّج، يومها شتمته ، وصفته بأرذل الصفات و صبّت جامّ غضبها عليه ، لتندم بعد ذلك ندما شديدا لأنّها بدل أن تحرّك مشاعره ، جعلته يكرهها و يتّخذ منها موقفا حاسما ألاّ تتعامل معه حتى في إطار الزمالة.

    سامية شخصية غريبة لكنّها أحبّت أحمد كما لم يحبه أحد. يسترق أحمد النّظر إليها ، يبتسم و يقول:

    - أيّكما أحبتني أكثر أنت أم سامية؟

    تشعر زينب بكثير من الغيظ ، شيء ما يخنق كلماتها ، تجحظ عيناها فيطلق هو ضحكة عالية:

    - أنا أمزح معك ، حتّى لو لم تحبّيني مثلما أحبّتنيّ سامية فأنا أحمل لك من الحبّ أكثر من الّذي حملته لي هي حتّى و لو لم تتصوّري ذلك.

    هذه المرّة تشعر زينب بأنّ قوة تدفعها و تسقطها على الرّمال، تشعر برغبة شديدة في الصراخ في وجهه ، كيف له ألا يشعر بكلّ هذا الحب الذي تحمله له.. تتدحرج دمعة من على خدّها، يمشي نحوها ، يجلس إلى جانبها يمسح دمعتها و يرفع وجهها يريد تأمّلها أكثر ، تسافر عيناها في عينيه الحزينتين ، تشعر بأنّ كلّ مجاذف الدنيا

    و زوارقها لا تسعفها للإبحار فيهما فتهمس:

    - لماذا لا يصلك كلّ هذا الفيض من الحب الذي أحمله لك؟

    - و من قال أنّه لم يصل؟

    - أنت في كلّ مرّة تشعرني بأنّك وحدك المحب و وحدك القادر على التضحية.

    - صدقيني حين أقول لك هذا فلأنّني أستمتع بهذا الشعور الجميل الذي أحمله في صدري.

    و يتذكّر عذاباته معها ، زينب كانت تخشاه في البداية ، كانت تتفادى نظراته .كان هو مهووسا بها، و كانت هي تريد أن تتفوّق و تنجح و تخشى أن يعرقل الحب مسيرتها، لكنّها مرغمة عاشت هذا الإحساس الجميل الذي غمرها و حلّقت معه طويلا ...كل ّركن في الجامعة يذكرها ، يذكر شقاوتهما ، أحزانهما و الأفراح التي كانا يصنعانه من اللاشيء.
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:56 pm

    يمرّر يده على رأسها بحنانه الدافق و يهمس في أذنها:

    المهم الآن أنّنا معا ، و لا قوة في العالم يمكن أن تفرّق بيننا.

    تقرير يرعبها بدل أن يطمئنها ، هي تخشى قرار إدارة المستشفى ، تخشى ذلك القرار الذي يفرض عليهما من فوق..

    و لا تنتبه من دوّامتها إلا على صوت نورة و هي تجري نحوهما و تناديهما للرجوع إلى البيت و تناول الطعام. تقف أمامهما الصغيرة حافية القدمين و هي مشدودة للوحة التي رسمها أحمد و ببراءتها تقول :

    رسمت القصر؟

    يبتسم أحمد و هو يقول:

    أعجبتك اللّوحة؟

    تشير الصغيرة بأصبعها إلى بقايا القصر القديم في أعلى مرتفع مؤكّدة بأنّ اللوحة مطابقة للواقع و قد أدهشتها طريقة الرسم بالرمال.

    تسعد كثيرا خالتي الزهرة بقدوم الطبيبة الشابّة تضع المائدة أمامها و تحضّر لها الأكلة –المذربل-الأكلة التقليدية اللذيذة و هي عبارة عن طبقات من أوراق العجين المطهية تتخلّلها الطماطم ، البصل و التوابل ،الأكلة لذيذة و رائحة الشاي تعبق في المكان ، زينب تأكل بنهم و خالتي الزهرة سعيدة بذلك ، تتمتم قائلة لها:

    - كلي يا الطبيبة كانش ما ربي يجيب .

    و تلتصق اللّقمة بحلق زينب ، تفقد القدرة على البلع ، تسرع إليها مريم بالماء ، تشربه لتفقد رغبتها في الأكل و خالتي الزهرة تؤكّد عليها بأنّها يجب أن تأكل بل أكثر من ذلك تشير عليها بالتداوي عند إحدى العجائز في البلدة تملك وصفة سحرية تجعلها تنجب الأطفال في أقصر مدّة ، فان لم تنفع وصفة العجوز تنصحها خالتي الزهرة بزيارة ضريح الولي الصالح في البلدة ، تحتاج زينب للكثير من الهواء حتى يعود إليها توازنها و قد أحسّت بأنّها قد أضاعت شيئا منها ، أو أضاعت الجزء من الأرض الذي تجلس عليه، تحاول استجماع قواها حتى لا تثير قلق خالتي الزهرة

    و أخيرا تجد جملة تخرجها من المأزق تقولها علّها تنهي مأساتها و أشياء أخرى:

    - كل شيئ بالمكتوب

    لتغادر المكان بعد ذلك رفقة أحمد ، علّ الهواء يعود فتتنفس من جديد و قد ضاقت بها هذه الدنيا. هي الآن رفقة زوجها سيقومان بمهمّة نبيلة سيتفقدان الأحوال الصحية لسكان القصر في غياب مختصين في المركز الصحي الوحيد.

    تنسى زينب طعم الأكلة الشعبية اللّذيذة و هي تتجوّل بين أبنية الطوب أين وجه المأساة يتطلّع إلى السماء في وضح النّهار . الرمال المتحرّكة تغرق كلّ شيء هنا و المرأة هنا صلبة لا تريد أن يكسرها المرض و لا أيّ شيء فأعمالها كثيرة ، هي تصنع خبزها و تحضّر الكسكسى الذي كثيرا ما تتخلّله ذرّات الرمال التي تكتسح كلّ شيء هنا، هي أيضا تعتني بالماشية التي تقوم بترييتها. وجوه نسائية تتهرّب عنوة من جمالها ، تلتفّ في شحوب دائم و انكسار فرضته طبيعة قاسية لا ترحم الضعيف. تستوقفها خضرة ، تتفحّص وجهها و خضرة تعلّق آمالا كبيرة على هذه الطبيبة أن تسكّن آلامها و تنهي معاناتها مع المرض. تمدّ ذراعها في اطمئنان لتجسّ نبضها، تجحظ عيناها ، لا تصدّق بأنّ حالة خضرة الصحية وصلت إلى هذا الحد. تقوم بفحص نبضات قلبها و في ألم تقرّر زينب بأنّ حالة خضرة غير مطمئنة، ضغطها عالي و قلبها ضعيف يجب عليها أخذ الدواء بانتظام و ألاّ تبذل جهدا كبيرا . لكنّ خضرة تبتسم مستهزئة بكلام زينب ، فمن سيطهو الخبز الذي حضّرته، زوجها

    و الأولاد يجب أن يأكلوا شيئا عند الغداء. خضرة شابّة في ربيعها الخامس

    و العشرين لها ستة أطفال و زوج فقير كباقي سكّان القصر.

    ترثي حالها زينب عند جارتها بأنّ خضرة مريضة يجب نقلها إلى المدينة لإجراء فحوصات دقيقة على القلب ، إنها لا تدرك خطورة وضعها الصحّي كما يجب أن تتوقّف عن الإنجاب وضعها الصحي لا يسمح ، تنظر إليها الجارة و تقول:

    - الله غالب زوجها فقير ، و هنا ما كان والو...

    و كأنّ سكّان هذا القصر قدرهم أن يموتوا في صراع مع المجهول.تتحسّر زينب أكثر و هي تستمع إلى جارة خضرة تحدّثها عن قدر تلك "المخلوقة" في إنجاب البنات فقط و لا بدّ أن تنجب ذكرا و إلا هجرها زوجها و لم يأت الذكر إلا بعد خمس بنات ، انّها بركات الوليّ الصالح الذي زارته خضرة حسب اعتقاد الجارة . تؤكّد لها زينب بأنّ الولادة خطر على صحّتها ، لكنّ الجارة تصمت و تكفّ عن الكلام هنا لا يجب أن تقول المرأة بأنّها مريضة.

    المساء أكثر هدوء من ذلك الصباح المتعب، و رغبة زينب في استكشاف المكان تزداد، مريم تسبقها إلى الغرفة و هي تنادي عليها :

    - الطبيبة ، الطبيبة .

    تحضر زينب مسرعة لتستلم شيئا جميلا من مريم:

    - هذي وردة الرمال لك.

    تغمر زينب فرحة كبيرة ، تمسك بذلك الشيء الجميل و هي تشكر مريم. هي تعرف جيّدا بأنّ المنطقة تزخر بكنز كبير هو حقول وردة الرمال. هذا ما كانت تبحث عنه زينب بالذات ، هذا الكائن الرملي الصامد المتماسك الجزيئات . تأكّد لها بأنّ علاقة حميمية ستربطها بهذه العجيبة التي أغدقت بها الطبيعة على الصحراء، على الأقل لن تكون أقلّ منها في القدرة على المقاومة ، إنها وردة الرمال لا تذبل و ليست بحاجة إلى أشواك لتدافع عنها و قطفها لا يعني موتها أبدا.

    تسعد مريم لأنّها اكتشفت السعادة التي أدخلتها على قلب زينب ، تجلس إلى جانبها و تتأمّل فرحتها و احتفاءها بهذا الكائن الرملي. تأمّل يوحي بأمنية تندسّ في أعماق مريم و كأنّها تتمنّى لو أنّها كانت هي زينب طبيبة تخدم أهالي القصر المغلوبين على أمرهم، تتقاذفهم قساوة الطبيعة ، الأساطير و العوالم العجيبة التي يخلقونها لأنفسهم تشبثا بالحياة. تشكره زينب فتبتسم مريم و هي تقول:



    - ابراهيم أحضرها.

    تقولها مريم و تسحب ناظريها بعيدا عن زينب التي لم يكن من الصعب عليها أن تجسّ نبرة مريم و هي تنطق اسم ابراهيم. تمدّ يدها تربّت على كتفها و هي تسألها:

    - ابراهيم خطيبك؟
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:57 pm

    تهزّ الفتاة رأسها بأسى و هي تجيب:

    - لا

    تصمت قليلا لتضيف:

    هو أحسن شاب في القصر كوّن جمعية للتعريف بثقافة القصر من فلكلور و رقص شعبي،

    و شعر و صناعة تقليدية و هو يسعى جاهدا للتعريف بكنوز قصرنا .

    و تعود مريم مرّة أخرى لتسحب ناظريها منكسرين بعيدا عن زينب .

    زينب تفهم مريم جيّدا و تمنحها كلّ الوقت للحديث و الافضاء فتردف قائلة:

    - ابراهيم "يبغيني"نحن نتقاسم أفكارا كثيرة و نريد أن يتغيّر وجه القصر.، لكنّ والدي يرفض زواجنا

    - و لماذا يرفض الوالد هذا الزواج؟

    - أبي لا كلمة له أمام القبيلة، عاداتها أن نتزوّج من العائلة الكبيرة فقط و لن يقبلوا بزوج من قبيلة مثل قبيلة ابراهيم.

    تبكي مريم ، تحضنها زينب و تطرق طويلا لتقول لها مواسية:

    عزيزتي مريم هذه الوردة التي أهديتني هي هدية الطبيعة لنا جميعا كي نستمرّ في هذه الحياة ، كي نقاوم لنصير أجمل بل لنصير شيئا يتسابق الناس لاقتنائه ، تعلمين نحن أيضا في المدينة لا نتزوّج في كلّ الحالات ممّن نحب ، انّه قدر الحب الأزلي أن يجد في كثير من الأحيان من يحاربه ، لكنّ طبيعة الحب أيضا أنّه لا ينهزم أبدا.

    تطرق زينب قليلا لتردف قائلة:

    - ما رأيك لو تحوّلي هذا الحب لهذا الشاب من مأساة إلى حب يتجاوز اثنين ، حب لأحلامكما المشتركة للقصر و أهاليه من أجل تغيير هذا الواقع المزري.

    تنظر إليها مريم و كأنّ زينب حمّلتها حملا ثقيلا فتتحوّل في حديثها إلى آلام أخرى ، تحدثها عن البطالة التي تفتك بأبناء البلدة المتكوّنة من عدّة قصور هي ليست قصور سلاطين إنما تجمعات سكاّنية بنيت من طين الأرض و أخشاب النخيل.

    حدثتها عن الشباب الذي هجر الأرض الزراعية و تمزّق بين الفراغ و"الكيف" الملعون هروبا من مشاكلهم و حرمانهم ، لا آفاق للمستقبل أمامهم، هم يعلّقون آمالا على عودة النشاط السياحي قد يغيّر أوضاعهم. هل فهمت مريم أخيرا بأنّ التغيير يجب أن ينبع من داخلهم هم ، بأنّ عليهم الثورة على الجهل و التخلّف و المرض ، الآخر قد يساعدهم لكنّه لن يغيّر قدرهم، تضع زينب وردة الرمال جانبا و هي تسأل مريم:

    - لقد سمعت بأن ّالفتيات المقبلات على الزواج يتنقلن إلى المدينة لخياطة فساتين العرس لماذا لا تتعلّم إحداهن الخياطة لتقوم بالمهمّة، و لاحظت قلّة المحلات الخاصة بالملابس الجاهزة و الأحذية لماذا لا يجلي الشباب السلع من المدينة

    و يبيعها هنا؟

    تضحك مريم بسخرية و ألم و هي تقول:

    - ايه يا الطبيبة أنت لا تعرفين شيئا ، هنا لا يشترون من ابن القصر.

    - لماذا؟

    - لست أدري حين يأتي شخص أجنبي عن البلدة يقبلون عليه ، لكن عندما يعرض ابن القصر سلعة مهما كانت رفيعة و جيّدة لا يشترونها منه.

    تقرير يصيب زينب بخيبة الأمل لتقول:

    لا تجعليني أصدّق بأنّكم أقسى من الطبيعة على أنفسكم.

    و مع صباح جديد كانت زينب بحاجة إلى جولة هي و أحمد على متن سيارتهما يرافقهما الشاب إبراهيم.

    صمت زينب يحيّر أحمد فيحاول أن يخرجها من قوقعتها و هو يحدثها عن تاريخ المنطقة كما رواه له شيوخها، أخذها إلى زيارة القصر العتيق ، هو ليس بقصر ملوك بل تجمّعات سكنية يحيط بها سور بناه الرجل الأوّل الذي عمّر المنطقة ليحتمي به من الغزاة. تقف زينب أمام سوره العالي مندهشة كيف صمد كلّ هذه القرون وقد بني من طين الأرض!

    تتجوّل بأجزائه ليعرّفها إبراهيم على "تاجماعت" و هي جزء من القصر كان يعتبره الأهالي بمثابة المحكمة فهو مجلس شيوخ القبيلة منه تصدر القرارات و الأحكام

    و على أيدي شيوخه يتمّ الزواج و الطلاق.

    يمشي إبراهيم أمامهما بحماس ، لا تفوته صغيرة إلا و شرحها حسب ما عرفه من كبار البلدة. تستوقفهم "الخابية"وهي جزء آخر من القصر كان الأهالي قديما يستعملونها لتخزين المؤونة من تمر و قمح..و يعجبون أكثر بالخندق الذي حفره رجل القصر القديم حول "القصر"كوسيلة دفاعية و أهمّ شيء أنّ للقصر بابا واحدا فلا مجال للتسلّل إليه . إنها شواهد هؤلاء العظماء الذين رحلوا و لم يظفروا بالكثير من ذاكرة التاريخ و تواروا بين ذرّات الرمال ليتركوا لنا البصمات. أحمد يشدّ اهتمامه التوزيع الدقيق للمياه ، يوضّح له إبراهيم بأنّ المصدر الوحيد للماء داخل القصر كانت هذه البئر ، أمّا البساتين فحفرت بجانبها الآبار نصبت عليها آلة خشبية يسمّونها –الخطّارة – لجلب الماء من البئر.

    يقف أحمد متأمّلا البساتين و هو يقول لزينب :

    رأيت نظام ماء غريب جدّا في قصر مدينة بني ونيف العتيق، تصوّري أنّه من عين واحدة خلقوا تفرّعات تنظّم السقي في البساتين إضافة إلى الاستعمالات اليومية لأهالي القصر كمكان الوضوء بقرب المسجد و الذي لم تبق منه إلا الأطلال و مكان لغسل الملابس ، نظام دقيق جدّا.

    و يؤكّد إبراهيم بأنّ لكلّ قصر نظامه فقصور جنوب بشار تختلف عن قصور شمالها حسب خصائص البيئة ، إنها المدينة الفسيفساء بكلّ ما تشمله من تنوّع في المعالم الجمالية و العادات و التقاليد. شعور جميل ينتاب زينب و كأنّ بوّابة التاريخ فتحت أمامها ...تتأمّل حماس إبراهيم و رغبته الكبيرة في التعريف بما يكتنزه هذا القصر فتطرح عليه أكثر من سؤال ، تريد معرفة همومه ، انشغالاته، لماذا لم يوصل صوت أبناء-القصر- إلى المدينة ، لماذا هذا الصمت و الشحوب؟

    أسئلة توجع الشاب الأسمر و تلزمه الصمت إلى أن ينطق أخيرا:

    - سأشرح لكما كلّ شيء و نحن نشرب الشاي في البيت.
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:58 pm

    بيت إبراهيم كان من الطوب أي نعم لكنّه يملك قدرة كبيرة على منحك الراحة التي تحلم بها ، بريق عيني أمّه الطيّبة ملأ المكان دفء، ترحّب بالضيوف و هي تغمرهم بدعواتها الطيّبة:

    -"جبتو الخير و تدّو الخير".

    و لا تنسى قرّة عينها إبراهيم بالدعاء له فهو مصدر فخرها و فخر كلّ العائلة ، ترجو الله أن يحفظه من الأعداء و الحسّاد.

    الحديث مع تلك المرأة الطيّبة حلو ، حياتها بسيطة و رغم تقدّمها في السن إلا أنّها تحمل أحلاما كبيرة ، تحلم بأن يعود الوادي الأخضر ليفيض فيغدق بخيراته على القصر المحروم. يسند إبراهيم ظهره إلى الجدار و يضحك باطمئنان للأمل الذي تحمله تلك الأمّ الطيّبة في الغد القريب ، يرتشف الشاي و يهمس في أذن أحمد:

    - "هذي البركة انتاعنا"

    تغمرهم تلك الأمّ بدعائها و تنسحب و هي تذكّر إبراهيم بما تحضّره لإقامة "الزيارة"

    "والزيارة "في هذه" القصور" ، قصور وادي الساورة هي أكثر من مجرّد زيارة لأضرحة أولياء الله الصالحين، بل كسر للروتين القاتل و فرصة النساء الوحيدة للترويح عن أنفسهنّ بالخروج لزيارة الأضرحة و شراء بعض الحاجيات التي يجلبها تجّار من مناطق بعيدة في موعد الزيارة.

    زينب تتشوّق أكثر للزيارة و لمعرفة المزيد عن خبايا المنطقة رغم أنّها تدرك بأنّ الوقت ضيّق و لا يصرفها عن أفكارها هذه إلا صوت إبراهيم و هو يريها ألبوم صور مختلف معالم المنطقة التي شدّته من نقوش صخرية في تاغيت إلى واحة العقرب و الكهف العجيب المعروف بغار الذيبة ببني عبّاس الى القبور المبنية على شكل قبب بالعبادلة

    و التي يعود عمرها الى قرون يسمّيها الأهالي الكراكر الى المغارات الصغيرة بمازر

    و التي تتدفق فيها ينابيع المياه و يسمّونها الحمّامات ، إلى البحيرة المتحجرة بحيواناتها البحرية بتابلبالة... أشياء في منتهى الروعة يحتفظ بصورها لأنّه يدرك قيمتها جيّدا ، لكنّه يقول:

    - حين أردت أن أبرهن للآخرين بأنّ هذا القصر فيه من الجمال ما لا يوجد في مكان آخر ضيّقوا عليّ الخناق ، تعالوا و انظروا إلى حقول وردة الرّمال ، إلى المنظر الساحر الذي يصنعه الوادي ، الجبل عرق الرّمال و واحة النّخيل، صورة نادرة قلّما تمنحها الطبيعة لمكان ... و تعالوا و استمعوا إلى شعرائنا ، ستبهركم الصناعة التقليدية و الأطباق التقليدية، نكاد نفقد الأمل النّقل غير متوفّر و مشاكلنا لا تنتهي .

    شعور هو مزيج من الحيرة و الرغبة في تغيير الواقع يتملّك إبراهيم و هو يسرد مأساته..يمدّ أحمد يده نحو كتفه ، يربّت عليها و هو يقول:

    - كلّ بداية صعبة ، لا بدّ من الصبر.

    و تتردّد العبارة عند زينب و تعيدها غالى يوم تخرّجها بتفوّق و تعيينهما في المستشفى، تذكر جيّدا كم كانا سعيدين ، أخيرا الأحلام تتحقق، من قال بأنّ الحياة مليئة بالصعاب!؟

    أخيرا عاد الأمل إلى المرضى خاصّة بعد تعيينها على رأس مصلحة طبّ و جراحة النّساء و أحمد على رأس مصلحة طبّ الأطفال. تذكر كيف أنّ الخفافيش حاربتهما في الظلام ، نعم كانوا خفافيش حتى في الأوراق التي يحملونها و يتباهون بها على أنّها شهادات ليست من حقّّهم . هي تعرف أسالبهم في الغش في الجامعة ، تعرف نقط ضعفهم و قدرتهم على إلغاء ضمائرهم، و تدرك كيف عيّنوا في المستشفى. قد تكون صراحتها

    و مواجهتها لهم غلطة هي اليوم تدفع ثمنها ، لكنّ أحمد فعل نفس الشيء . هو أيضا تصدّى للخفافيش و هم يسرقون بسمة الأطفال باسم العلم ، كم مرّة حذّر الطبيبة ريم ألا تتابع بعض الحالات ، مستواها لا يسمح لها بذلك ، هي ترتكب أخطاء مهنية فادحة قد تودي بحياة الأطفال كما فعلت مرّة إلا أنّه لحسن الحظ حضر هو في الوقت المناسب .

    ريم ابنة العائلة الغنية و صاحبة النّفوذ لم يكن ليرضيها تحدّي أحمد لها و عدم تستّره على أخطائها و لا كانت لترضيها مواجهة زينب لأختها القابلة التي كانت تبيع اللّولب بعد نهاية صلاحيته لأحد الخوّاص بثمن أقلّ من السوق بكثير ، و مقابل المال يغامر بالمرضى, زينب كانت تقول دائما لأحمد بأنّها أصبحت تخشى على نفسها من صوتها العالي ، لكنّها لا تستطيع أن تغيّر الوضع فهي لا تنافق و لا ترضيها القذارة .

    أحمد كان صوته أعلى من صوتها و إن كان أحيانا ينصحها بالهدنة ، فكان أن نصب لهما الفخّ فوجدا نفسيهما أمام المجلس التأديبي.

    يومها حاولت زينب ألا تتكلّم بصوت عال ، لكن هذا الذي حدث ، فلقد صرخت و دافعت عن نفسها باستماتة ، كيف يعقل أن تعاقب هي البريئة و تترك الخفافيش تعثو في المستشفى .



    أحمد هو الآخر كان صوته عاليا جدّا أمام هيئة التأديب التي طالبها بالتحقيق في القضية بدل إلصاق التهم بالآخرين و بمن ...بأكفأ عنصرين ؟

    الكابوس لم تحتمله زينب ، يومها لازمت الفراش طويلا تصارع المرض و الخوف من قرار المجلس التأديبي ، و لعلّ أسوأ ما حدث من جرّاء صوتها ما قالته لها تلك القابلة:

    -"أنت ما ولدتيش و ما تعرفيش حقّ الكبدة".

    هل يعقل أن تكون هذه إنسانة ،ليست في نظر زينب سوى شيطانة ، كيف لها أن تتهمها بأنّها السبب في موت طفل بريء و أكثر من ذلك تعيّرها بشيء هو بيد الله سبحانه وحده!

    الكابوس كان أفظع ممّا تصوّر أحمد و هو يرى أهله يستغلّون الفرصة و يطلبون منه أن يطلّق زينب ما دامت لم تنجب أطفالا ، تذكّرت زينب بأنّها لحظتها تمنّت الرحيل بعيدا إلى أبعد نقطة ممكنة لا ترى فيها إنسان.

    الاحتمال الأكبر للمجلس التأديبي كما قال لهم أحد المقرّبين من المدير هو أن يتحوّل كلّ واحد منهما إلى "قصر" من "قصور" ولاية بشار.

    - ما معنى هذا؟

    هكذا طرحت السؤال يومها زينب ليأتي ردّ أحمد دون تفكير:

    - كي يتنازل أحدنا عن المهنة.

    ليلتها لم تنم زينب ، لكن ليس كما اعتقد أحمد بسبب مشاكل العمل . هذا ما أدركه حين سألته و الساعة تشير إلى الرابعة صباحا :

    - أحمد تريد أطفالا؟

    ابتسم أحمد مطمئنا حبيبته و رفيقة دربه:

    - كلّ التحاليل أثبتت بأنّنا قادرين على الإنجاب ، المسألة مسألة وقت ، ثمّ انّك طفلتي الحبيبة.
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 8:59 pm

    يومها ضمّها أحمد إليه بقوّة و غمرها بكلّ الحنان الذي كانت بحاجة إليه لتعود فتشعر بأنّ قدميها تلامسان الأرض ، رغم كلام القابلة الذي لازال في أذنيها صداه.

    تتيه نظرات زينب و إبراهيم يحاول أن يلفت انتباهها إلى الفكرة التي طرحها ، شيء ما يهزّ داخلها و كأنّها عادت من سفر بعيد ، تستطرد قائلة:

    - ماذا كنت تقول يا إبراهيم؟

    يبتسم أحمد و يقول:

    - زينب تحلم ب"الزيارة" و لا تفكّر في مشاريعك الآن ، إبراهيم أنصحك بالتحدث معي أنا فقط.

    تبتسم زينب لتقول:

    - إبراهيم ذكّرني بالذين يقفون بعناد أمامنا ليعرقلوا مسيرتنا فلا نزداد إلا تصميما على بلوغ الغاية.

    يرتاح إبراهيم لهذه الفكرة و هو يقرّر:

    - لن أفشل و سأصل بجمعيتي إلى أبعد الحدود.

    يرتشف أحمد الشاي و يقول:

    - حياة الأهالي هنا في القصور ضفاف واد ، إذا فاض فاضت الخيرات و إذا جفّ جفّ كلّ شيئ حتّى الأحلام و الرغبة.

    تتنهّد زينب محاولة إتمام الفكرة:

    - حياتنا نحن أيضا ضفاف واد طال جفافه.

    و يتفطّن أخيرا أحمد إلى الخطأ الذي ارتكباه و جعلا الشاب يطرح ألف سؤال ، بل

    و يفقد الأمل ، فالطبيب كان هو مصدر الأمل بالنّسبة له يراه اليوم منكسرا ، يستطرد أحمد قائلا:

    - نحن أيضا في المدينة لنا مشاكلنا ، لكنّنا لا نقف عند لحظة معيّنة يقينا منّا بأنّ في زاوية ما من الحياة المخرج و الفرج، فقط يجب أن نبذل بعض الجهد ، هكذا هي الحياة مهما اختلف المكان و الزمان.

    يودّعان إبراهيم بعدما حاولا شحنه بكلّ الآمال و الأحلام الممكنة لتنطلق سياّرتهما من جديد.

    كلّ الأشياء الجميلة و الساحرة كانت تختصر الأفراح لتعبق بها لحظات زينب رغم كلّ شيء، كانت تتأمّل أحمد و هو يحمل الرمال و كأنّه عثر على كنز ثمين..تحاول أن تدخل عالمه هذا ، أن تتعلّم منه كيف تصنع من ذرة الرمل الصغيرة ملاذا من كلّ الآلام، أحمد يشجّعها و هو يقول:

    - تكاد لوحة القصر أن تكتمل ، هذا هو اللّون الذي كنت أبحث عنه ، شكرا لك زينب.

    تسعد زينب لنجاحها في اختيار الرمل المناسب ، تطرق قليلا لتقول له:

    - يبدو أنّ علاقتك حميمة جدّا بهذه المنطقة.

    - آه فعلا يا زينب هؤلاء النّاس لم أر أطيب منهم ، لمّا جئت أوّل مرّة إلى هنا كان ذلك بقصد جلب الرّمال التي أستعملها في هوايتي ، لكن صدفة مرض أحد الأهالي و كان الطبيب الوحيد الموجود هنا في عطلة فقمت بواجبي معهم كطبيب دون مقابل و من يومها تكوّنت العلاقة بيني و بينهم ، و لم أصبح مجرّد طبيب بالنّسبة لهم .

    و فعلا هذا ما كان يراه الأهالي فعلا في أحمد ، أكثر من طبيب ، انّه القادم إليهم من بعيد ليمنحهم الأمل في الغد بأنّه سيكون أجمل و بأنّ قساوة الطبيعة تذلّلها الرغبة الكبيرة في الحياة. بينهم كان يجد أحمد راحته في أحلك الظروف التي مرّ بها. و معهم تعلّم كيف ينظر إلى الحياة بعمق ، المدينة سرقت منه أشياء كثيرة استطاع أن يستعيدها على ضفاف الوادي الأخضر ، وادي الساورة بقصوره الضاربة العمق في التاريخ ، في كلّ قصر له ذكرى و حكاية ، و أكثر من ذلك هو مدين لهواء هذه المنطقة فقد غمره و أعاد إليه الحياة بعدما ظنّ بأنّ القيامة ستقوم و بأنّ البشر فقدوا إنسانيتهم. تستمع إليه زينب و هي تحاول استكشاف أهازيج كانت تصل إلى مسمعها من بعيد لتهمس قائلة:

    - أتسمع يا أحمد.

    - نعم هذه أهازيج "الماية"

    - الماية!؟

    "الماية" في هذا القصر فلكلور غنائي في منتهى الروعة و الجمال ، و أكثر ما يشدّك إلى "الماية "طريقة الرجال الذين يؤدّونها بروعة و إتقان.

    - ما رأيك لو نذهب الى مصدر الصّوت؟

    - و لم لا و أزور أصدقاء لي هنالك ...هيّا.

    المكان أحد قصور مدينة الواتة، الطريق إليه كان فاتنا ، مناظر طبيعية لا يصدّق الإنسان بأنّها موجودة في الصحراء. أمّا الأهالي فكانت طيبتهم لا توصف . يستقبلهم أحد الشباب بفرحة كبيرة .

    - مرحبا بالطبيب

    الكلّ يعرف هنا الطبيب الذي لا يمانع في تقديم خدماته الصحية لكلَ الأهالي و دون مقابل . تتطلّع زينب إلى الجماعة التي تؤدّي" الماية" ، يشدّ انتباهها أكبرهم سنّا و الذي يبدو بأنّه قائدهم في أداء تلك الأهازيج الجميلة ،يتّكئ على عصاه و شيء بداخله يكابر ثقل السنين على كتفيه . تسأل عنه زينب فيجيبها الشاب:

    - هذا الشيخ جبّار عبد الله بن أحمد ، شيخ "الماية "في "أقدال" عمره تجاوز الأربعة والتسعين سنة .

    تظلّ زينب صامتة مشدودة إلى هذه الأهازيج الجميلة و كأنّما تدفقّ شلال وسط هذه الصحراء. تتأمّل الاستعراض الجميل خمسة عشر رجلا يؤدّون الأهازيج على نفس الإيقاع و لا أحد منهم يخطئ في الضرب على على الدف ، تحاول أن تفهم أكثر ما يقولونه فيصلها صوت الشيخ جبّار عبد الله بن أحمد كأقوى صوت ، و تستمتع بتلك الكلمات الجميلة و اللّحن الأجمل:

    امّينتي مالي مالي و انا ها يمّا يا مّا داده ها يمّا

    قولوا صباح الزين رقية ما اسعدني برضاه

    و الخاتم جاني في سلامها ، يا مرسول أم دلال

    يتجاوب أحمد مع النّغمات يدندن معهم ، تنظر إليه زينب مستغربة فيشير إليها بأن تسمع و هي صامتة و صوت شيخ "الماية "لا زال يصلها:

    شلّة من العفاريت غلبوا ريح السحاب

    شلّة من الجنون العظمى الكبار

    كلّ يوم يهتفو بخبار

    تلك في جداول محظية

    وضمياطي نقراه

    و عزايم و جملة بحقهم يا مرسول أمّ دلال

    تمنّت زينب لو بقيت أطول وقت مع الشيخ عبد الجبّار و رفاقه ، لكنّ الشابّ أصرّ على اكرامهما في بيته، هكذا هم أههذالي القصر رغم فقرهم يكرمون الضيف و يفرحون بقدومه.

    وتظلّ الصورة الجميلة لفرقة" الماية" راسخة في ذاكرة زينب في بيت الشاب ، والده كان شاعرا و صديقا للطبيب أحمد ، بمجرّد أن يراه يحتضه بقوة و كأنّ ابنا له عاد بعد طول غياب ، يسأله أحمد عن صحّته و عن أحواله ، و هل ما يزال يقول الشعر ، يضحك الشاعر امحمّد قصير القامة ، خفيف الظلّ ، غريب الأطوار ، كلامه كان كلّه ألغازا ، كنايات و استعارات.أحمد يتجاوب معه كثيرا ، و زينب يدهشها ذكاؤه و قوّة ذاكرته ، فقد راح يسرد عليهم قصائده حتّى تلك التي قالها عام 1968م دون الاستعانة بكرّاس أو شريط كاسيت تستوقف زينب قصيدته التي يصف فيها الدمار الذي ألحقه فيضان الوادي الأخضر بقصور المنطقة المحرومة منذ سنوات فدمّر القصر . فالوادي الأخضر رغم أنّه مصدر خير إلا أنّه كثيرا ما يصبّ جامّ غضبه عليهم ، فيدمّر الطرقات لتعيش القصور العزلة و يتضرّع الأهالي لله أن يوقف المطر الذي طالما حلموا به.
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 9:01 pm

    المطر كثيرا ما يخرّب بيوتهم الطينية ، يشرّد عائلات و يترك بعد انقطاعه المآسي. تتذوّق زينب المشمش و هي تصغي للشيخ امحمّد باهتمام يدعوها لأكل المزيد و هذا ما تفعله زينب . يبدو أنّ مشمش هذه المنطقة أحلى مشمش تذوقته، فتقطع حديثه لتسأله عن المكان الذي اشتراه منه. يضحك الشيخ امحمّد و هو يؤكّد بأنّه نتاج الجنان، كما يؤكّد لها بأنّ مشمشهم من النّوعية الرفيعة ، لكن لعدم وجود وسائل النّقل لا يستطيعون بيعه في المدينة أو في البلدات المجاورة. فالفلاح هنا فقير "الله غالب عليه" يرى الغلّة التي تعب لأجلها تتكدّس و تتعفّن و لا يملك أن يفعل شيئا.

    تظلّ زينب تنظر إليه بأسى و حسرة ، حتى و الكلّ يضحك من آخر ما قاله الشيخ كمناظرة بين الشاي و التّمر:

    لتاي و التمر في معيار كبير

    و صرات بينهم الخصومة

    لاصلح بينهم لا من دار الخير

    و اللّي غلب يجيب الحرمة

    لتاي بدا للتمر بالمعرير

    روحت قالو لحشومة

    سهمك الاّ عقبات و علف لحمير

    و حتى خصايلك مذمومة

    قال التمر هذا الصبر علي كثير

    سمعوا مهدرها هاذ النّقمة

    من الّلي بان لينا ما شفنا خير

    منه شربت الأمّة يبّس عروقها

    لبّسها التسطير و بطّل صوالح الخدّامة

    حتى صيلته سدرة نايضة على الغدير

    و فركته حطب مبرومة

    و يطيبوه في غلاي القصدير

    و يزايدوه بالنّار المحطومة

    حتى سكره من القصب لا غير

    أنا اللّي شريته بالسيف يغير

    و شريت باهرة من نعمة

    القمح و الدهان و ثاني الشعير

    و نطيب في امّا بالرحمة

    و باش بغى يعاندني هذا الخنزير

    و لا علاش طايب في الما

    أنا ذي بلادي و علاش نحير

    هو اللّي طرانجي اللّي يترمى

    لا صلح بينّا و اللّي ضاق يطير

    لا صلح بينّا و اللّي ضاق يطير .

    و يضحك الجميع و يصفقون للشيخ امحمّد، لخفّة روحه و حلاوة نطقه للكلمات، يحضر لهم الشيخ الطعام ، يترجاهم أن يبقوا معه وقتا أطول لكنّهم يعتذرون له، يودعونه و قد ملأ قلوبهم فرحا.

    صورة هذا الرجل العظيم المغمور في كوخ الطين في ذلك القصر البعيد لا تريد أن تفارق ذهن زينب ، تتحدّث عنه طول الطريق ، يؤكّد لها أحمد بأنّ الشعراء الشيوخ كلّهم بهذه الأخلاق من كرم و شجاعة و ذكاء و سرعة بديهة و عزّة نفس سواء كانوا شعراء الوادي الأخضر( وادي الساورة) أو وادي قير ، فهو عرفهم و جالسهم ، عرف الشيخ بوكراني امحمّد في الواتة و الشيخ كنوز و الشيخ عزوّز بأولاد خضير و الشيخ عبد الرزاق بالعبادلة ..و شيوخ كثيرين عرفهم و استمتع بالجلوس إليهم، إنهم يستّحقّون التخليد و أن تدوّن أشعارهم و أن يخصّص لها ديوان كامل..

    و حتى شيخ "الماية "الذي أدهش زينب يؤكّد لها أحمد أنّه سبق و أن جالس المقرّبين منه و من ابنه الشيخ بلال و عرف الكثير من أسرار "الماية "حسب ما رواه لهم الشيخ جبّار . لم ينس أبدا حكايات الأهالي عن أصل تسمية "الماية" و حكاية الرجل الذي نام تاركا ماله في "السمطة" وهي كيس من الصوف توضع على ظهر الفرس ، ثقب الفأر هذا الكيس و ضاع مال الرجل فلما صحا من نومه و عرف الذي حدث جنّ جنونه و راح يصرخ:

    امّنتي مالي ، مالي داده ها يمّا

    نبدو بصلاة الهادي محمّد ذكره عزيز

    في قلبي يا حضّار

    طه شافع لعبادي

    و اللّي زاره مايخاف

    يمنع من صهد النّار

    يوم تنحشر لعباد

    جود عليّ يا غفّار

    يا مسقم لسعاد سقّم لي سعدي

    حتى نعود من الاخيار.

    تصفق زينب بحماس لزوجها و هي تكتشف فيه العشق الكبير لموروث المنطقة الشعبي، يضحك و ينظر إليها ليقول:



    - هؤلاء الطيّبون أنا مدين لهم ، فبينهم تغلّبت على انكساراتي ، و وقفت و واصلت الطريق من جديد.

    و فجأة يوقف أحمد السيّارة ، شيء ما غير عادي يحدث، ينزلان عن السيارة ليمشيا ناحية مصدر صراخ و عويل غريبين.

    الرمال تتلقّف خطواتهما و هما يهرولان ، تسابقهما الخنافس التي هي جزء من يوميات الأهالي هنا . تجري نحوهما الصغيرة نورة و هي تصرخ:

    - خالتي خضرة ماتت..

    لحظتها تشعر زينب بأنّ تلك الرمال قد اكتسحت حنجرتها ، بلعومها و سدّت أنفاسها.

    تبكي زينب إلى جانب النسوة كما لم تفعل من قبل وهي التي كانت تعرف جيّدا بأنّ حياة تلك المخلوقة في خطر ، لكن هذه الطبيعة القاسية لا تمنحهم حتى فرصة التعايش مع أمراضهم المزمنة ، المرأة ليس من حقّها أن تنكسر.

    تخنقها العبرات و هي تستمع إلى أحاديث النسوة كيف أنّ خضرة ماتت و هي تطهو الخبز، المسكينة لم تتحمّل الحرارة ، قضت نصف ساعة و هي تفرغ كمّيات من الماء على جسمها علّ حرارتها تنخفض ، لكن كان أن توقّف قلبها و سكن ذلك الجسد المنهك إلى الأبد. دفنت خضرة في ذلك المساء ليخيّم الصّمت على المكان.

    الصمت يسكن زينب أيضا و يخرس لسانها عن الكلام ، تحاول خالتي الزهرة التخفيف من حزنها دون جدوى فتطرق خالتي الزهرة طويلا لتقول:

    -ايه يا الطبيبة شحال حنينة!

    ثمّ تدعوها للتفكير في – الزيارة- التي طالما انتظرها الأهالي لكسر الرتابة في حياتهم الصعبة مع ما سيجلبه لهم التجار الوافدون إلى بلدتهم بهذه المناسبة .

    تخضّب النساء أيديهنّ بالحنّاء لينهضن باكرا ، يلبسن أولادهنّ أجمل ما لديهم من ثياب استعدادا لمغادرة مساكنهم و الخروج لزيارة أضرحة أولياء الله الصالحين و الاستمتاع بالأهازيج الدينية و طلقات البارود فالزيارة موسم للتجارة و الفرح.

    عمّي مبارك عنصر ضروري في طقوس الاحتفال فهو الذي يقوم قبل موعد الزيارة بتبييض مقام الضريح كما ذكرت ذلك خالتي الزهرة لزينب و هي تقول:

    -"عمّك مبارك الله يونه هو اللّي يجيّر ".

    دور خالتي الزهرة لا يقلّ أهمّة ، فهي من النساء اللّواتي يغيّرن قماش ضريح الولي الصالح و يشعلن البخور.

    هذا الصباح تبدأ الزيارة ، المكان يغصّ بجموع الأهالي و الوافدين إلى مكان الزيارة، الأعلام رفعت و طلقات البارود يسمع دويّها في كلّ مكان، الأهازيج كانت كفيلة بأن تجعل الحاضرين يتجاوبون و يردّدونها مع الأهالي.

    يتقدّم المحتفلون زرافات ، زرافات بلباسهم التقليدي ، العباءة البيضاء و العمامة البيضاء و التي يسمّونها " الشاش".
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 9:01 pm

    يعبرون البساتين كتعبير على ارتباطهم بالأرض، ليعرّجوا بعد ذلك على القصر القديم رمز أصالتهم و لو أنّه لم تبق منه سوى الأطلال كدليل على ارتباطهم بماضي أجدادهم.

    الصغيرة نورة كالوردة تتألّق بملابسها الجديدة و الحنّاء التي خضّبت يديها ، تلعب

    و تصفق ككلّ صغار هذا القصر.

    تتذوّق زينب –الملح- و هو مسحوق يحضّرونه من طحين الفول و العدس و بعض التّوابل لحماية الحبال الصوتية أثناء ترديد الأهازيج في الزيارة.

    ترنو زينب إلى الأفق و الكثبان الرملية تشهد هذا العيد الصحراوي الفريد من نوعه، تمشي الهوينى و أحمد إلى جانبها بالعباءة و الشاش ليشارك الأهالي احتفالهم، يتأمّل عينيها المشدودتين إلى المحتفلين ليقول:

    - هل سبق لك و أن رأيت شيئا مثل هذا؟

    تبتسم زينب:

    - ياه ،يا أحمد كنت بحاجة للمجيء إلى هنا ، فالحياة هنا تتّخذ شكلا آخر.

    يطرق أحمد ليقول في ألم:

    - المساكين لن يسعدوا سوى هذا اليوم و من الغد هم على موعد مع الحياة الصعبة و الفراغ القاتل إلى زيارة أخرى.

    تتنهّد زينب عميقا ، يمسك أحمد بيدها و كأنّه يتلقفها و قد هبطت من سماء أخرى حلّقت فيها طيلة هذا اليوم. يعودان إلى بيت عمّي مبارك ، تأكل زينب الكسكس بنهم و هي تستمتع بشاي خالتي الزهرة التي تحدّثها عن التحضيرات للعرس في القصر ، تؤكّد لها أهمّية وجود الفضّة لدى العروس و ضرورة شراء الأواني المنزلية من ملاعق و سكاكين و صحون و كؤوس...كلّ هذا يجب أن يفكّر فيه والد العروس و أن يتّخذ احتياطاته اللاّزمة حتى لا تكون ابنته أقلّ من أيّة فتاة أخرى.

    تستغرب زينب الوضع، لا مكان سلم من التباهي و التنافس ، صدق أحمد يوم قال – نحن نعيش في مدينة بل في قصر كبير، لم يصلنا من المدينة سوى العمارات و السيّارات، أشياء كثيرة تدلّ على أنّ المدينة امتداد لقصر كبير.

    تحاول زينب أن تطرد كلّ هذه الأفكار من رأسها و أن تسنده إلى وسادة لتغطّ في نوم عميق.

    الصباح هذه المرّة جاء بطعم آخر قاد زينب و أحمد عبر طريق مفتوح أخّاذ إلى مكان الرمال فيه تتّخذ شكلا عجيبا و كأنّما هي كائنات جبّارة تريد أن توجد لها مكانا مع الإنسان.تتدفّق بانسياب عبر المساكن كلّها و كأنّها أمواج بحر عظيم، راكدة، ساكنة تتوهّج كلّما لامستها الشمس.

    عمّي مبارك هذه المرّة هو رفيق أحمد و زينب الى –القصبات-

    كما يسمّها كبار السنّ من الأهالي ، لكنّها تعرف عند الجميع ب-قصابي- و هي آخر نقطة في ولاية بشار.

    في قصابي أو القصبات الوادي يتّخذ وجها آخر بنبات القصب الذي نما على حواشيه فأكسب المكان بهاء.عمّي مبارك كان يمشي و كأنّه يعانق كلّ مساحة ، كلّ أثر ، كلّ شيء هنالك ف- قصابي-مسقط رأسه و فيها قضى أجمل أيّامه.يشير بيده إلى بقايا القصور ، يتأمّلها كمن يحاول القبض على لحظة من الماضي أفلت منه و هو يتمتم:

    - القصبات" خلات سبع خليات.

    يظل أحمد و زينب يتأمّلانه ، يريدان معرفة المزيد عن القصر الملتف ببحر من رمال متحرّكة تسحر النّاظر إليها فهي صافية من الغبار تتوهّّّج لكلّما داعبتها أشعّة الشمس كأنّها التّبر تمدّ أذرعها متشبثة بالأرض و كأنّها أمّ تحنو على صغارها.

    عمّي مبارك رغم كبر سنّه يتنقّل بين الكثبان الرملية أو كما يسمّيها" الدرباز" يستوقف أحمد و زينب عند أدقّ عملية يقوم بها إنسان الصحراء هنا في صراعه مع الطبيعة القاسية إنها عملية وقف زحف الرمال، عملية ورثها الآباء عن الأجداد.

    يشير عمّي مبارك إلى سعف النّخيل و هو يشرح كيف يحفر الأهالي في جماعة أو كما يحلو لهم أن يسموا هذا التعاون"التويزة"، الحفر تكون وسط عرق الرمال بحسابات معيّنة ليثبّتوا فيه سعف النّخيل بطريقة تجعله يقاوم الرياح فلا يسقط.

    تستمتع زينب أكثر بالهدوء و كأنّ المكان خال من السكّان ، هدوء قلّما تجده ، أهي الطبيعة القاسية أخرست هؤلاء عن الضجيج و عن الكلام ؟

    كلّ جزء من هذا المكان يوحي بجمال أخّاذ أمّا الظلال في بساتين "القصبات" فلها نكهة أخرى ، و حديث أولئك الفلاحين حلو حلاوة مياه المنطقة الجميلة...جباههم السمر كانت تتوهّج منها إرادة العقل قوية في خدمة الأرض.

    الفلاحون هنا يعيشون مأساة موت أحلامهم ببطء قاتل، كلّ أنواع الخضار و الفواكه صالحة للزراعة هنا، الغلال جيّدة ، لكن نفس المشكل لا وسيلة لبيع المحصول ، لا أحد يشتري من هؤلاء محصولهم الزراعي ، قدر رهيب لا يدرون من فرضه عليهم ، يرتشفون الشاي و يعودون للعمل.

    يتذكّر عمّي مبارك الفلاحة في الماضي ، أيام كانوا يزرعون الأرض بالتويزة و يبنون" النّادر " و هو مرتفع من الأرض بحوالي ثمانين سنتيمتر يبنى بالطين لتدرس فيه سنابل القمح و هم يردّدون :

    باه نبدو ، باه نبدو بالصلاة عليك يا رسول الله

    يجلبون عصيّ النّخيل و يدرسون القمح و هم يضربون بأقدامهم و يغنّون:

    هذا نادر با عبو يا ربي قوي حبّه

    هذا نادر فيه و فيه يا ربي قوي ما فيه

    يبتسم أحمد ، و يسعد هؤلاء البسطاء الذين يكدحون في صمت و يخلصون للأرض رغم قساوة الطبيعة و رغم كلّ شيئ، يمدّ يده يتناول التمر و هو يشير لزينب بأن تأكل لكنّها تريد أن يغمرها هواء تلك الجنان، لديها شعور بالغثيان ، تقاوم زينب هذا الشعور

    و أحمد يساعدها على استغلال كلّ لحظة في المكان الجميل، و هو يدرك جيدا قيمة المكان. تستسلم زينب في صمت و تتناول التمر من يد عمّي مبارك و تستمتع بأهازيج" الرسمة" يردّدها الشيخ عزوّز الذي كان يتظلّل بظل نخلة في المكان:

    باسمك يا اله سيدي عظيم الشان

    يا محمد ذا الكلام جبتو لك هدية

    راني خايف من فعايلي يا عظيم الشان

    و بالزاف اللّي دايراه نفسي لعبت بي

    خيرك كثير ظاهر عينان

    اللّي فيه الخير يا الله سهلها لي

    سلكني من قوم لاعب بها الشيطان

    بالنّميمة و الكذب راه عايش في ذا الدنيا

    اللّي دار المال راه يتكبّر يا اخوان

    عاف صلاته و ما بقات عنده حتى حبّة

    و يا محمّد ذا الكلام جبتو لك هدية.

    تغوص زينب في لحظاتها و هي تتذكر ما قاله أحمد في شيوخ الشعر الشعبي في منطقة وادي الساورة و هي ترى خفّة روح الشيخين كنوز و عزّوز يسلمان عليهم ، يرحبان بهم بتلقائية و حلاوة ، يحتويهم ظلال النخيل لتستمتع زينب بذكريات الشاعرين كنوز

    و عزوز، فالشيخ كنوز سافر في شبابه الى مدينة وهران الموجودة في شمال الجزائر على الساحل على ظهر جمل، يروي ذكرياته و عيناه يشعّ منهما بريق يندس وراءه أمل كبير . هؤلاء العظماء يبدعون بين الكثبان و لا تصل أصواتهم إلى الآخرين ، يحترقون ليبعث منهم نور تعبق منه أصالة الصحراوي و رهافة حسّ الشاعر ، و تردّد كلّ ذرّة من ذرّات الرمال كلماته:

    خميس وجمعة زرت عين بودا

    يجعلها خير

    واطلب مولانا ما تخيب

    يازاير بالنية

    و الا طحت مريض سير ليها و اطلب

    نبدوها من كرزاز

    في يدك مفتاح الخير

    و يضمنوا لك صلاح وادنا و ليك وليا

    كي تخرج من الساورة

    في برّ توات تحير

    اقسمها شرق و غرب

    قاع ما فيهم دونية

    سبع و القرارة و الهبلة دم كبير

    واطلب يا زاير بالنية
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الخميس فبراير 12, 2009 9:02 pm

    أصوات تجتاح روح زينب، أصوات عذبة فيها تفاصيل الجمال و الألم معا ، هي لهؤلاء الذين فرض عليهم قدر أقسى من طبيعة الصحراء، أصوات لا يمكن أن تنسى و لا أن تأخذها الرياح مع ذرّات رمل الصحراء فهي كما وردة الرمال صامدة حتى و لو اقتلعت من مكانها ، لكن زينب لا تستطيع أن تقاوم أكثر من ذلك ، شعورها بالغثيان يفسد عليها كلّ شيء ، وفجأة تتماوج الأرض من حولها و تغيب عن الوعي. و لا تشعر بشيء إلا و هي ممدّدة على الفراش و خالتي زهرة إلى جانبها تحضّر الكسكس و هي تدندن بأهازيج تصلي من خلالها على النبي محمد عليه الصلاة و السلام ، تستجمع قواها تحاول مغادرة الفراش ، لكنّ خالتي الزهرة تمنعها و هي تطلق زغرودة،

    - "هذي بركة صلاح البلاد مبروك عليك يا الطبيبة، ربّي فرّج عليك".



    أخيرا تحقّق الحلم و بعده الطوفان ، أخيرا شيء يتحرّك في أحشائها و كأنّه تجاوب مع هذه الطبيعة الساحرة. تطلب من أحمد أن يوقف السيّارة تنزل منها ، تريد أن تجري فوق الرمال، أن تصعد إلى أعلى العرق الكبير و أن تصرخ بأعلى صوتها بأنّها ستصير أمّا....تتلمّس وردة الرمال التي أهدتها لها مريم و هي تهمس لأحمد:

    - ما رأيك لو نسمّي ابنتنا وردة الرمال؟

    - و ماذا لو كان ولدا؟

    يضحكان كما لم يضحكا منذ مدّة طويلة، تضمّ الوردة الرملية إلى صدرها و هي تؤكّد:

    - هذه الوردة بيني و بينها علاقة حميمية ، أكنّ لها حبّا كبيرا ، يعجبني صمودها فمهما قطعت من مكانها لا تذبل و لا تموت، بل تزداد توهّجا و جمالا .

    - أفهم من هذا بأنّه لم يعد يهمّك أن تقتلعي من ذلك المكان؟

    - الآن لا يهمّني شيئ.

    يعودان إلى سيّارتهما بعدما أفرغا من كلّ الهموم و شحنا بكلّ ما كانا يحتاجانه من طاقة، و تنطلق السيارة مخلفة وراءها كثبان الرمال و ألف ذكرى ترتسم في الذاكرة راسخة لا تزول.

    تأليف:جميلة طلباوي-2003م
    latifa68
    latifa68
    قانونى جديد
    قانونى جديد


    انثى
    عدد الرسائل : 4
    الموقع : Québec
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female23
    نقاط : 4
    تاريخ التسجيل : 30/01/2009

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف latifa68 الثلاثاء مارس 31, 2009 9:46 pm

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* 44

    و ما أروع هاته القصّة أيضاً يا مريم...شكراً لك على إفادتنا بها...و جميلة طلباوي نفسها وردة رمال لا تموت و لا تذبل أبداً ما دام قلمها يسيل حبراً على ورق... بل شهداً و عسلاً نترشّفه نحن قرّاءها الأوفياء...و نحن نترقّب منها الجديد



    avatar
    souilem79
    قانونى نشيط
    قانونى نشيط


    ذكر
    عدد الرسائل : 79
    الموقع : بشار
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 115
    تاريخ التسجيل : 06/02/2009

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف souilem79 الخميس أبريل 16, 2009 5:19 pm

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* CCr27_0E8n



    إسمحي لي أن أهديكي وردتين
    ورده من أجل ميلاد أول أبنائك البكر وهو اصدار كتاب أوجاع الذاكرة
    وأتمنى أن يكون دفعة قوية لكي في تقديم المزيد والأفضل
    والوردة الأخرى من أجل العمل الإذاعي الذي تقدميه للمستمعين وعلى كل البرامج الجيدة والمفيدة
    فأنت مبدعة و جميلة حقاً فكل كتاباتك تدل على أنكِ صاحبة قلم تملك من الشجاعة والجراءة وهذا ما يجعلها لا تخشى القلم أو ميكروفون الإذاعة أو غيرها


    الف مبروك

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* PzhSN5wgOj
    مريم
    مريم
    المشرفون
    المشرفون


    انثى
    عدد الرسائل : 125
    الموقع : /arabadvocate.ahlamontada.net/
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 45
    تاريخ التسجيل : 20/08/2008

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف مريم الأحد أبريل 19, 2009 9:56 pm

    السلام عليكم
    شكرا أخي على مرورك, لكن أود أن أصحح لك معلومة ألا وهي أوجاع الذاكرة ليس المولود البكر للكاتبة جميلة طلباوي فإصداراتها هي كالآتي:
    شظايا :ديوان شعر عن منشورات التبيين -الجاحظية عام 2000م
    وردة الرمال: قصة عن منشورات التبيين - الجاحظية عام 2003م
    شاء القدر: قصة عن منشورات التبيين - الجاحظية عام 2006م
    أوجاع الذاكرة : الطبعة الأولى عن دار الثقافة لمدينة بشار 2008
    الطبعة الثانية عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 2008م
    السلام
    avatar
    souilem79
    قانونى نشيط
    قانونى نشيط


    ذكر
    عدد الرسائل : 79
    الموقع : بشار
    البلد : قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Female11
    نقاط : 115
    تاريخ التسجيل : 06/02/2009

    قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي* Empty رد: قصة وردة الرمال *للإعلامية والكاتبة الأديبة جميلة طلباوي*

    مُساهمة من طرف souilem79 الأحد أبريل 19, 2009 11:55 pm

    شكراً لك على هذا التوضيح فأنا ذكرت البكر عن إتحاد الكتاب العرب ونحن دوماً نود أن نشجع كل من يقوم بأي عمل أذبي أو ثقافي فهذفنا هو المساهمة ولو بتحية في تطوير هذه الأعمال لأنها تعود علينا بالنفع خاصة أصحاب المطالعة يبقى دوماً الكتاب خير جليس
    ونحيي دوماً الكاتبة والإعلامية على أعمالها الأذبية والإذاعية والله هذا فخر عظيم لنا خاصة نحن أهل منطقة الكاتبة وياحبذا لو نرى أعمال جديدة أخرى منها أو من كتاب أخرين من المنطقة أو خارجها.
    ............
    ونشكر كل من يقدر معنى الكتابة والأذب.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 10:31 pm