المبحث الخامس
مصادر الدستور
حدد فقهاء القانون أربعة مصادر للدستور يستمد منها أحكامه، وهي: الفقه والقضاء، والعرف، والتشريع، وفيما يلي استعراض موجز لهذه المصادر:
1- الفقه القانوني:
يعتبر الفقه في السابق مصدرا للقانون، أي أن القاعدة القانونية التي مصدرها الفقه تكتسب صفة الإلزام، ومع التطور الذي مر على القانون بفروعه المختلفة، أصبح الفقه مصدرا ماديا للقانون، أي أنه الطريق الذي تتكون به القاعدة القانونية وتستمد منه مادتها وموضوعها، فلم يعد يعتمد عليه في تفسير النصوص التي يسنها المشرع، لذلك يسميه بعض الفقهاء بالمصدر ال.
وكان القضاء مصدرا رسميا، وأصبح الآن مصدرا ماديا ( ) ويبرز دوره في تفسير النصوص التشريعية كالفقه، ولكنه يختلف عن الفقه في أن الفقيه يفترض أمورا محتملة لم تقع، ويقترح لها حلولا مناسبة ويردها إلى الأصول والنظريات، فـالفقه له طابع العمومية، واستباق الأحداث، ومسايرة التطور، أما القضاء فينظر فقط فيما يعرض عليه من قضايا ويسعى إلى الفصل فيها، على هدي الاعتبارات العملية التي تحتل المكان الأول في ساحـته، فـالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، والقضاء يمثل الناحية العملية أو التطبيقية، والأحكام الدستورية في بريطانيا تدين كثيرا للسوابق القضائية التي أنشأت أحكاما دستورية جديدة، إما بدعوى وتفسير أحكام دستورية غامضة، وإما لحسم خلاف حول نص دستوري أو بحكم في أمر لم ينص عليه ( ) .
3 - العرف:
اختلف الفقهاء القانونيين في كون العرف مصدرا رسميا للدستور على رأيين:
- أحدهما، لا يسلم بغير التشريع مصدرا، وينكر كل قيمة للعرف إلا إذا أقـره المشرع، أو اعترف به القضـاء، إلا أن معتدلي هذا الاتجـاه يسلمون بالعرف مصدرا على أساس أنه يمثل الإرادة المفترضة للمشروع.
- أما الرأي الآخر: فيعتبر العرف مصدرا، ويلقى هذا الرأي تأييد معظم فقهاء الدستور ( ) .
ومعلوم أن فكرة الدولة ظهرت تدريجـيا تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية، وذلك على مراحل متدرجة، إلى أن اكتملت عناصر قيامها، حيث صاحب ذلك استقرار مجموعة من القواعد التي تبين كيفية تنظيم سلطاتها، ومصدر هذه القواعد هو العرف؛ لأنها قواعد نتجت عن التقاليد والعادات، ومن ثم كانت قواعد عرفية.
ولكن مع التطور التاريخي، وظهور الدساتير المكتوبة وانتشارها في معظم دول العالم، لم يعد العرف مصدرا رئيسا لقواعد الدستور فيما عدا إنجلترا، فـلا خلاف في أهمية العرف، ومكانته بالنسبة للدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، ولكن يختلف الفقهاء حول دور العرف ومكانته واعتباره مصدرا للدستور بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة، وهم في ذلك على رأيين:
- أحدهما: ينكر كل دور للعرف في الشؤون الدستورية.
- والآخـر: يقـر للعرف هذه القواعد بالنسـبـة لنصوص وثيقـة الدستور ( ) .
4 - التشريع:
التشريع هو سن القواعد القانونية، وإكسابها قوتها الملزمة عن طريق سلطة مختصة وفقا لإجراءات معينة ( ) ولقد ازدادت أهمية التشريع باعتباره مصدرا رسميا للقانون بازدياد التطور التدريجي للمجتمعات، فبينما كان العرف مصدرا رئيسا للقواعد القانونية المنظمة للمجتمع في العصور القديمة أخذ دور العرف يقل تدريجيا، ويزداد دور التشريع، وذلك لانتقال المجـتمعات إلى مرحلة التنظيم السياسي وقيام الدولة، وكذلك لأنه أصلح المصادر الرسمية وأكثرها ملاءمة لحاجات الجماعة المتطورة، فـالعرف وإن كان يصدر عن الجماعة إلا أنه بطيء في نشوئه وتطوره، فـضلا عما قـد يشوبه من غموض بجهل قواعده، في حين أن التشريع وسيلة ميسرة وسريعة في انتشار القواعد القانونية وتعديلها، ووضوحها، وانضباطها، فالتشريع هو المصدر الرسمي الرئيس للقانون بشكل عام وللدستور بشكل خاص ( ) .
ويحدد عادة في الدستور السلطة المختصة بالتشريع، وتسمى السلطة التشريعية، وكيفية ممارستها لواجباتها، وكيفية تكوينها، وقد يوجد في الدولة الواحدة أكثر من سلطة تشريعية، ففي الدول التي يكون دستورها غير مرن لا بد من وجود سلطة تأسيسية أو دستورية لإقـرار وتعديل الدستور، غير السلطة التشريعية المختصة بالتشريع العادي، فيكون تدرج قوة التشريع تسلسليا من التشريع الدستوري إلى التشريع العادي إلى التشريع الفرعي، ولا يجوز لأي تشريع أن يخالف تشريعا أعلى منه درجة، وفي حالة وجود ذلك يكون التشريع المخالف غير شرعي، ولضبط عملية مشروعية التشريعات، وتنظيم رقابتها، وتقرير الجزاء المناسب بالنسبة للتشريع المخالف، نشأ ما يسمى برقابة مشروعية التشريع بفرعيها وهما: رقـابة مشروعية التشريع العادي، الذي اصطلح عليه برقابة دستورية القوانين وهي من مباحث القـانون الدستوري. والفرع الثـاني رقـابة مشروعية التشريع الفرعي، وهي من مباحث القانون الإداري.
* * *
المبحث السادس
مقومات الدستور الأساسية
يجب أن يحتوي كل دستور على مقومات رئيسة يتضمنها الدستور، وهي بشكل عام القواعد التي تبين شكل الدولة، ونوع نظام الحكم فيها وتحديد السلطات العامة، وعلاقتها ببعضها، وحقوق وواجبات الأفراد تجاه الدولة؛ فـغالبا ما يحتوي الدستور على مقدمة هي عبارة عن ديباجة توضح الفكرة التي تقوم عليها الدولة، ثم يقسم الدستور إلى أبواب وفـصـول، يحوي كل باب أو فـصل مواد متـسلسلة، حول موضوع من المواضيع التي يعنى بها الدستور، ويحدد عنوان لكل فصل أو باب حسب كل مـوضـوع من هذه المواضـيع، وغـالبـا مـا يكون ترتيب هذه الأبواب والفصول على النحو التالي:
- تعـريف بالدولة يحـدد شعب الدولة، وأرضها، وسيـادتهـا، وشكلها ومنهجها السياسي.
- المقومات الأساسية للمجتمع.
- السلطات العامة.
- أحكام عامة.
- تعديل الدستور.
- أحكام انتقالية ( ) .
ولقد حدد بعض ( ) المفكرين المسائل التي يجيب عليها الدستور في تسع نقاط هي:
مصادر الدستور
حدد فقهاء القانون أربعة مصادر للدستور يستمد منها أحكامه، وهي: الفقه والقضاء، والعرف، والتشريع، وفيما يلي استعراض موجز لهذه المصادر:
1- الفقه القانوني:
يعتبر الفقه في السابق مصدرا للقانون، أي أن القاعدة القانونية التي مصدرها الفقه تكتسب صفة الإلزام، ومع التطور الذي مر على القانون بفروعه المختلفة، أصبح الفقه مصدرا ماديا للقانون، أي أنه الطريق الذي تتكون به القاعدة القانونية وتستمد منه مادتها وموضوعها، فلم يعد يعتمد عليه في تفسير النصوص التي يسنها المشرع، لذلك يسميه بعض الفقهاء بالمصدر ال.
وكان القضاء مصدرا رسميا، وأصبح الآن مصدرا ماديا ( ) ويبرز دوره في تفسير النصوص التشريعية كالفقه، ولكنه يختلف عن الفقه في أن الفقيه يفترض أمورا محتملة لم تقع، ويقترح لها حلولا مناسبة ويردها إلى الأصول والنظريات، فـالفقه له طابع العمومية، واستباق الأحداث، ومسايرة التطور، أما القضاء فينظر فقط فيما يعرض عليه من قضايا ويسعى إلى الفصل فيها، على هدي الاعتبارات العملية التي تحتل المكان الأول في ساحـته، فـالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، والقضاء يمثل الناحية العملية أو التطبيقية، والأحكام الدستورية في بريطانيا تدين كثيرا للسوابق القضائية التي أنشأت أحكاما دستورية جديدة، إما بدعوى وتفسير أحكام دستورية غامضة، وإما لحسم خلاف حول نص دستوري أو بحكم في أمر لم ينص عليه ( ) .
3 - العرف:
اختلف الفقهاء القانونيين في كون العرف مصدرا رسميا للدستور على رأيين:
- أحدهما، لا يسلم بغير التشريع مصدرا، وينكر كل قيمة للعرف إلا إذا أقـره المشرع، أو اعترف به القضـاء، إلا أن معتدلي هذا الاتجـاه يسلمون بالعرف مصدرا على أساس أنه يمثل الإرادة المفترضة للمشروع.
- أما الرأي الآخر: فيعتبر العرف مصدرا، ويلقى هذا الرأي تأييد معظم فقهاء الدستور ( ) .
ومعلوم أن فكرة الدولة ظهرت تدريجـيا تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية، وذلك على مراحل متدرجة، إلى أن اكتملت عناصر قيامها، حيث صاحب ذلك استقرار مجموعة من القواعد التي تبين كيفية تنظيم سلطاتها، ومصدر هذه القواعد هو العرف؛ لأنها قواعد نتجت عن التقاليد والعادات، ومن ثم كانت قواعد عرفية.
ولكن مع التطور التاريخي، وظهور الدساتير المكتوبة وانتشارها في معظم دول العالم، لم يعد العرف مصدرا رئيسا لقواعد الدستور فيما عدا إنجلترا، فـلا خلاف في أهمية العرف، ومكانته بالنسبة للدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، ولكن يختلف الفقهاء حول دور العرف ومكانته واعتباره مصدرا للدستور بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة، وهم في ذلك على رأيين:
- أحدهما: ينكر كل دور للعرف في الشؤون الدستورية.
- والآخـر: يقـر للعرف هذه القواعد بالنسـبـة لنصوص وثيقـة الدستور ( ) .
4 - التشريع:
التشريع هو سن القواعد القانونية، وإكسابها قوتها الملزمة عن طريق سلطة مختصة وفقا لإجراءات معينة ( ) ولقد ازدادت أهمية التشريع باعتباره مصدرا رسميا للقانون بازدياد التطور التدريجي للمجتمعات، فبينما كان العرف مصدرا رئيسا للقواعد القانونية المنظمة للمجتمع في العصور القديمة أخذ دور العرف يقل تدريجيا، ويزداد دور التشريع، وذلك لانتقال المجـتمعات إلى مرحلة التنظيم السياسي وقيام الدولة، وكذلك لأنه أصلح المصادر الرسمية وأكثرها ملاءمة لحاجات الجماعة المتطورة، فـالعرف وإن كان يصدر عن الجماعة إلا أنه بطيء في نشوئه وتطوره، فـضلا عما قـد يشوبه من غموض بجهل قواعده، في حين أن التشريع وسيلة ميسرة وسريعة في انتشار القواعد القانونية وتعديلها، ووضوحها، وانضباطها، فالتشريع هو المصدر الرسمي الرئيس للقانون بشكل عام وللدستور بشكل خاص ( ) .
ويحدد عادة في الدستور السلطة المختصة بالتشريع، وتسمى السلطة التشريعية، وكيفية ممارستها لواجباتها، وكيفية تكوينها، وقد يوجد في الدولة الواحدة أكثر من سلطة تشريعية، ففي الدول التي يكون دستورها غير مرن لا بد من وجود سلطة تأسيسية أو دستورية لإقـرار وتعديل الدستور، غير السلطة التشريعية المختصة بالتشريع العادي، فيكون تدرج قوة التشريع تسلسليا من التشريع الدستوري إلى التشريع العادي إلى التشريع الفرعي، ولا يجوز لأي تشريع أن يخالف تشريعا أعلى منه درجة، وفي حالة وجود ذلك يكون التشريع المخالف غير شرعي، ولضبط عملية مشروعية التشريعات، وتنظيم رقابتها، وتقرير الجزاء المناسب بالنسبة للتشريع المخالف، نشأ ما يسمى برقابة مشروعية التشريع بفرعيها وهما: رقـابة مشروعية التشريع العادي، الذي اصطلح عليه برقابة دستورية القوانين وهي من مباحث القـانون الدستوري. والفرع الثـاني رقـابة مشروعية التشريع الفرعي، وهي من مباحث القانون الإداري.
* * *
المبحث السادس
مقومات الدستور الأساسية
يجب أن يحتوي كل دستور على مقومات رئيسة يتضمنها الدستور، وهي بشكل عام القواعد التي تبين شكل الدولة، ونوع نظام الحكم فيها وتحديد السلطات العامة، وعلاقتها ببعضها، وحقوق وواجبات الأفراد تجاه الدولة؛ فـغالبا ما يحتوي الدستور على مقدمة هي عبارة عن ديباجة توضح الفكرة التي تقوم عليها الدولة، ثم يقسم الدستور إلى أبواب وفـصـول، يحوي كل باب أو فـصل مواد متـسلسلة، حول موضوع من المواضيع التي يعنى بها الدستور، ويحدد عنوان لكل فصل أو باب حسب كل مـوضـوع من هذه المواضـيع، وغـالبـا مـا يكون ترتيب هذه الأبواب والفصول على النحو التالي:
- تعـريف بالدولة يحـدد شعب الدولة، وأرضها، وسيـادتهـا، وشكلها ومنهجها السياسي.
- المقومات الأساسية للمجتمع.
- السلطات العامة.
- أحكام عامة.
- تعديل الدستور.
- أحكام انتقالية ( ) .
ولقد حدد بعض ( ) المفكرين المسائل التي يجيب عليها الدستور في تسع نقاط هي: