حكايات من دفتر كفاح متحدي الإعاقة
كتبت - هناء صالح الترك
قصة كفاح ومعاناة.. تحد وكسر للحواجز.. موقف آباء وزوجات إلي جانب أولادهم وأزواجهم لمساندتهم في تخطي إعاقتهم.. نجحوا في ذلك بالصبر والعزيمة والمثابرة على متابعة العلم والدراسة وأيضاً العمل.
الراية تبحر في أعماق بعض أصحاب الإعاقات الذين تحدوا المصاعب بكل إصرار.. وتستمع إلي قصصهم في التضحيات، وتفخر بهم كأفراد مواطنين دفعوا الغالي والنفيس من أجل إنسانيتهم.
الدكتور خالد النعيمي نائب رئيس مجلس إدارة مركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين ، متزوج ولديه شاب وأربع بنات في عمر الزهور وكلهم يتمتعون بصحة جيدة، يشيد بوجود زوجته المخلصة إلي جانبه والذي كان لها الدافع الكبير للوصول إلي ما هو عليه اليوم.
يروي قصته للراية فيقول: جاء فقدان البصر بعد الولادة بسبع سنوات من خلال حادث عرضي حيث تعرضت للسقوط من فوق دراجة هوائية ، وبدأت رحلة العلاج مع الوالد رحمه الله بالسفر إلي لندن، وبعد فقدان البصر أصر الوالد علي أن ألتحق بالمدرسة كأي طفل ، ولولا هذا الإصرار من والدي رحمه الله لكنت اليوم في تعداد المحجوبين عن المجتمع ، فهو كان من المؤيدين للدراسة وهكذا كان حجر البداية ، وأيام زمان لم تكن هناك مدارس متخصصة للمكفوفين فاضطررت للسفر إلي القاهرة وتخرجت من مدرسة طه حسين الثانوية للمكفوفين عام 1981 وأخذت دورة في التأهيل للعمل في البدالة الهاتفية في البحرين ثم عدت إلي الدوحة وعملت لمدة سنتين ونصف تقريباً في الاتصالات السلكية واللاسلكية بعد ذلك قررت مواصلة الدراسات العليا في جامعة المنصورة في جمهورية مصر العربية لمدة أربع سنوات وتعينت إثرها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك بوظيفة باحث اجتماعي لمدة سنتين ثم أكملت دراسة الماجستير في المملكة المغربية وعدت بعدها للعمل بالوزارة طبقاً للقانون المعتمد ولا زلت فيها كإدارة الشؤون الاجتماعية، ثم تابعت دراسة الدكتوراه في التخصص الدقيق علم الاجتماع الأسري في المملكة المغربية.
وطبيعي كأي إنسان واجهت صعوبات كثيرة ولكن وجود الزوجة المخلصة إلي جانبي كان له الأثر الكبير والحمد لله.
وحول كيفية اختيار زوجته قال: زوجتي امرأة عادية واقترنت بها منذ 23 سنة والحمد لله وفقت بالزواج منها.. لها كل التقدير والاحترام وهي الدافع الحقيقي لتكملة دراستي ، مشيراً أن لديه شاباً كابتن طيار عسكري ، وصبية في الجامعة وأخري في الثانوية واثنين في المرحلة الإعدادية والابتدائية.
وعن رحلة كفاحه قال : الإنسان عليه دائماً أن يجد ويجتهد وألا تقف الإعاقة عثرة في طريقه فبالاجتهاد والعمل والمثابرة يستطيع الإنسان أن يصل إلي ما يطمح إليه ، ولكن كل شيء له ثمن ولم يأت من فراغ ، فقد تحملت أسرتي زوجتي أولادي الكثير من أمور الغربة والسفر والعناء والتنقل معي ودفعنا ثمناً معنوياً باهظاً ولم نزل.
زوجتي اكتفت بالتعليم حتى الثانوية العامة وتركت لي المجال لمتابعة الدراسة ، والإنسان إذا استسلم لقدره وقال أنا معاق فإنه سيقف محدوداً ويبقي علي الهامش أما إذا كان لديه الصبر والمثابرة فإنه سيحقق جميع أهدافه ، وأنا والحمد لله استطعت تحقيق ما كنت أحلم به بعد عناء ومشقة.
وأضاف : إن الأسرة لها دور كبير فهي الدافع الأول للمعاق نحو التقدم ، وإذا قامت بعزله عن المجتمع فهي ستكون العائق الأول في تقدم الشخص.
وذكر أنه يوم حفل افتتاح الأسياد ، ذهب وبناته لحضور الحفل وتفاجأ بإنسان يعرفه جيداً ويقول له لماذا تحضر الحفل ، فأجابه إنني أشوف بعيون بناتي ، حقيقة أسفت على هذا الإنسان وهل هناك إنسان في القرن 21 يفكر بهذه الذهنية في المجتمع .
واستطرد الدكتور النعيمي قائلاً : نريد انفتاحا إعلاميا ولا بد أن يسلط الإعلام أضواءه علي المعاقين كافة ولا ننتظر فعالية معينة ، نريد الإعلام أن يكون حاضراً دائماً أمام هؤلاء الناس المكافحين الذين شقوا طريقهم بصعوبة يكفي أنني أول ما قررت الدراسة ذهبت إلي بريطانيا علي حسابي الشخصي ولكن بالصبر والاجتهاد تم تحويلي للدراسة علي حساب الدولة.
ورأي أن الإعلام حلقة وصل بين المجتمع وأصحاب الإعاقات ، وقال : الدولة قامت مشكورة بإصدار العديد من القوانين والتشريعات ويجب أن يبدأ التثقيف الجيد بين أفراد المجتمع وينبغي أن نصل إلي المعاق مهما وصلت إعاقته فهو كالإنسان السوي.
موضحاً أنه في الاجتماع الأخير للأمم المتحدة رفضت تسمية ذوي الاحتياجات الخاصة ورجعت إلي المفهوم الأول المعاقين للتمييز بين الإعاقة البصرية والإعاقة السمعية.
ورداً علي سؤال أشار يا ريت أي أسرة تحجب أولادها المعاقين تقوم الدولة بمحاكمتهم.
وأضاف : أقول لكل إنسان معاق علي حسب قدراته عدم الاستسلام والإصرار ومعرفة واجبه الوطني وإدراك حقه أينما هو، ولكل ذي حق حقه.. ولا بد للمعاق أن يأخذ فرصته في التعليم والعمل في كل المجالات والوظائف خاصة أن دولتنا تسير علي هذا المنهج ولكن نريد المزيد لدرجة أعلي من ذلك حتى يستطيع كل إنسان أخذ فرصته وينتج على حسب قدراته.
وأوضح أنه شارك في مؤتمرات عدة كان آخرها مؤتمر مسقط 11-13 الشهر الماضي بعنوان مؤتمر الشرق الأوسط للمكفوفين هذا بالنسبة للمركز، أما بالنسبة لعملي
كنت في جامعة الدول العربية في البحرين وفي ماليزيا رأيت الوفد القطري وأنا وللَّه الحمد أكون من الشخصيات المميزة في أي مؤتمر للمكفوفين لأن الإعاقة البصرية دافعاً وليس عائقاً.
وفي كلمة أخيرة : طبيعي دائماً أتابع التطور الطبي في مجال العيون على أمل أن يكون هناك القليل من البصر لا أري عائلتي زوجتي وأولادي.
ماذا تقول زوجته وكيف بدأت الحكاية ، أم فيصل تؤكد انه في البداية كان هناك رفض للزوج من بعض أفراد العائلة ، ووقتها لم أكن أعرف إن المتقدم لطلب يدي يعاني من إعاقة بصرية ، وعندما عرفت بالموضوع صار لدي إصرار في الزواج منه لأنني كنت أؤمن إن اللَّه وضعه أمامي وهذا نصيبي.
والحمد اللَّه بعد زواجي منه أردت أن أثبت للأهل والأقارب إن زوجي أفضل إنسان وانه ناجح وسوي وهناك أناس يبصرون ولكنهم في الحقيقة فاقدي البصيرة.
عقب زواجنا بسنتين رزقت بفيصل والعنود وأصررت أن يتابع زوجي دراسته الجامعية وذهبنا إلي بريطانيا علي حسابنا الخاص كانت الرحلة مكلفة جداً أطفال وزوجة وصعوبات في الإقامة والتنقل والعيش ولكن بالصبر والجد تفوقنا علي المصاعب وتحولت الدراسة علي نفقة الديوان الأميري وأخذ الشهادة الجامعية وأكمل الماجستير فالدكتوراه واستطعت أن أثبت للناس إن اختياري كان صحيحاً والحمد اللَّه ، واللَّه وفقني في تحقيق طموحي وطموحه ، وأنا في نفس الوقت أفخر أن أكون بجانبه وان أخرج معه إلي كافة الأماكن وكذلك أولادي ، حتى عندما يقوم بإلقاء المحاضرات اذهب وبناتي لمتابعته.
حياتي طبيعية جداً ونجاحه هو نجاحي ، وكل خطوة يخطوها دليل على نجاح الأسرة بشكل عام. وكل العائلة فخورة به وصار على نجاح الأسرة بشكل عام. وكل العائلة فخورة به وصار أقرب المقربين من الجميع على حد سواء ، الكل يحترمه ويقدره وصار واحد من الأسرة الكبيرة.
ورأت إن العائلات التي تقوم بإخفاء أولادها المعاقين دليل علي جهل أفراد الأسرة بإمكانية هذا المعاق ، ويمكن أن يكون المعاق أفضل إنسان بين الأبناء ويحصل على أعلي الشهادات والمراتب فمثلاً زوجي الوحيد بين أخواته الذي حصل على الدرجة الجامعية ويمكن الإنسان المعاق الذي تخجل منه أسرته يكون أفضل الأبناء.
الأستاذة مريم الأشقر إعاقة حركية ( شلل أطفال) تروي قصة كفاحها فتقول: خدمت في وزارة التربية والتعليم لمدة 26 عاماً ، أهلي كانوا دائماً يشجعونني علي الدراسة ، ومنذ الصغر تلقيت تعليمي الابتدائي والإعدادي والثانوي في المدارس الحكومية القطرية. ورغم بعض المعاناة والألم كنت أرغب أن أكمل تعليمي وان لا تقف الإعاقة حاجزاً أمامي وهكذا كان. وبعد نيل الشهادة الثانوية التحقت بالجامعة تخصص خدمة اجتماعية وعلم اجتماع وكان لدي إصرار على المتابعة والتحصيل العلمي بالرغم من إن الجامعة لم تكن مهيأة آنذاك لاستقبال الإعاقات الحركية مثل اليوم ، تخرجت وعملت وبعد الوظيفة صرت أعاني من بعض الآلام وبدأت بإجراء أول عملية سنة 1988 وخضعت لأكثر من عشر عمليات وكانت ناجحة بإذن اللَّه بحكم تخصص الدكتور المعالج ، وفي احدي الرحلات العلاجية توفيت والدتي فتأثرت كثيراً وبقيت لمدة سنتين أعاني من فقدانها لأنها كانت تلازمني في ظروفي العادية والمرضية ورحلت قبل أن تعرف نتيجة تلك العمليات ومدى نجاحها ...
وبعد نجاح كل العمليات وسنة 1996 بدأت أعاني من الآم في القدم الثانية السليمة بسبب اعتمادي الدائم عليها وفي سنة 1999 استبدلت مفصل الركبة بعملية جراحية في أمريكا وتعرضت لحالة غيبوبة لمدة من الزمن.
وذكرت أ. مريم الأشقر إن الإعاقة جاءت لديها بعد سنة من ولادتها بدأت بارتفاع في درجة الحرارة وتم أعطائها لأبرة مخفضة للحرارة مما أدى بها إلى شلل تام بالرجل اليسرى بسبب عدم التطعيم ضد شلل الأطفال وبقيت(( 6 )) سنوات لا تتكلم ولا تمشي إلى أن تحسنت الحالة بالعلاج بالمياه الكبريتية والتدليك ببعض الكريمات الحارة منها مرهم الفيكس ...
وتضيف أردت من هذا العرض أن أبين إن الإعاقة لم تكن يوماً حاجزاً لأي إنسان لديه طموح وخاصة الحالات الحركية فنحن ناس عاديين مثلنا مثل غيرنا نسعى إلي تحقيق طموحاتنا وأمانينا.. وعلى الأهل دور أساسي وكبير في دمج أبنائهم تربوياً واجتماعياً وأنا خدمت في مجال العمل التطوعي مع ذوي الإعاقة لمدة 15 عاماً.
ورأت أن الدمج المجتمعي مهم والأهم منه الدمج التربوي التعليمي ودعت إلى تهيئة البيئة المدرسية في ممرات والطرق وتهيئة الإدارة المدرسية لاستقبال مثل هذه الأنواع من الإعاقة والقائمين على العملية التعليمية.
ودعت إلى دمج الأشخاص من ذوي الإعاقات البصرية والحركية وصعوبات التعلم والإعاقات العقلية البسيطة مع توفير أخصائيين للعلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي وغرف المصادر وغير ذلك من تسهيلات ، مؤكدة إن الدمج فشل لأن البيئة المدرسية والتعليمية غير مهيأة لاستقبال ذوي الإعاقة .
وناشدت الأهل بالاهتمام بالأطفال المعاقين لديها لأن بعض الأسر للأسف ما زالت تعاني من الخجل الاجتماعي فتحجز أطفالها في المنازل والغرف ولا ندري إن هذه العائلة لديها طفل من ذوي الإعاقة إلا عند وفاته في عمر الشباب بالرغم من ثقافة ووعي هذه الأسر وهناك بعض الأسر تتصرف بطريقة طبيعية وتذهب مع أطفالها إلي أي مكان ، فاهتمام الأسر ضروري من ناحية التأهيل والتعليم والدمج وبالمناسبة أنا لا أنصح بالتدليل الزائد ولا بالإهمال الزائد من حقه كإنسان أن يأخذ كافة حقوقه ، ونجد الكثير من ذوي الإعاقة الذين استطاعوا أن يتخطوا الصعوبات ويحصلوا على شهادة الدكتوراه بامتياز.
واختتمت قائلة: أنا من الفئات التي شاركوا في اجتماعات اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة في نيويورك ضمن الوفد الدائم لمتابعة اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة ممثلة عن ذوي الإعاقة وممثل عن وزارة التربية والتعليم وقد انتهت الصياغة النهائية وهي في انتظار التوقيع ، وخلال الشهور القادمة ستلزم الدول المشاركة بتطبيق الاتفاقية والأستاذة مريم الأشقر كرمت من قبل الشيخة جواهر القاسمي حرم حاكم الشارقة ضمن المتطوعات خارج دولة الإمارات ، كما كرمت في الدوحة من قبل حرم الأمير بجائزة المرأة المثالية في المجتمع القطري في 1996 م كما كرمت في السنة الدولية للمتطوعين في 5 / 12 / 2001 م من قبل دار الانماء الاجتماعي والبنك الوطني .
المصدر : جريدة الراية