جميلة بوحريد (1935 في حي القصبة، الجزائر العاصمة) هي مجاهدة جزائرية تعد الأولى عربياً،إبّان الثورة الجزائرية على الاستعمار الفرنسي لها، في منتصف القرن الماضي.
حياتهاكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد أنجبت والدتها 7 شبان، واصلت
تعليمها المدرسي ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى
تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل إلى أن
اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 حيث انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية
للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف
الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي،
ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1. تم القبض عليها عام 1957
عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف وألقي القبض
عليها وبدأت رحلتها القاسية من التعذيب من صعق كهربائي لمدة ثلاثة أيام
بأسلاك كهربائية ربطت على حلمتي الثديين وعلى الأنف والأذنين. تحملت
التعذيب ولم تعترف على زملائها ثم تقرر محاكمتها صورياً وصدر ضدها حكم
بالإعدام وجملتها الشهيرة التي قالتها آنذاك" أعرف أنكم سوف تحكمون علي
بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم
لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة". بعد 3 سنوات من السجن تم
ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها مع بقية الزملاء عام 1962.
قصة نضالها ضد الاستعمار
كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أُمُنا لكنها كانت تصرخ وتقول: الجزائر أًمُنا، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية.
انضمت بعد ذلك الي جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الاستعمار الفرنسي ونتيجة لبطولاتها أصبحت الأولى على قائمة المطاردين حتى أصيبت برصاصة عام 1957 وألقي القبض عليها.
من داخل المستشفى بدأ الفرنسيون
بتعذيب المناضلة، وتعرضت للصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام كي تعترف على
زملائها، لكنها تحملت هذا التعذيب، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفوق لتقول الجزائر أُمُنا.
وحين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكماً بالإعدام عام 1957، وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الإستنكار من كل أنحاء العالم.
تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي.
من الأشعار التي قيلت فيها
قالو لها بنت الضياء تأملي ما فيك من فتن و من انداء
سمراء زان بها الجمال لوائه و اهتز روض الشعرللسمراء
جميلة بوحيرد تكسر صمتها أخيرا
كسرت جميلة بوحيرد،
أشهر مجاهدة جزائرية، طوق الصمت الذي ظلت تحيط به نفسها منذ الاستقلال،
وهو الصمت الذي رسم علامات استفهام كبيرة حول وضعها، إلى حد أن هناك من
اعتقد بأنها انتقلت إلى العالم الآخر، ووُصفت أكثر من مرة بـ"الشهيدة". بوحيرد قالت في تصريح صحفي أول من نوعه: "لم أفعل شيئا يستحق التكريم".
نجحت مجلة أخبار الأدب المصرية في جرّ جميلة بوحيرد للحديث عن بعض القضايا، ولم تقبل بالحديث مع مبعوثها إلا بعد أن استغل جنسيته كمواطن مصري جاء ليسألها عن "الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين أيضا ساهم في تخليدها"، فقبلت الحديث إليه كمواطن من مصر وليس كصحفي.
وتصدر رسم كبير لوجه جميلة
الثورة الجزائرية الصفحة الأولى من العدد الصادر أمس من المجلة التي يشرف
عليها الأديب العربي الكبير جمال الغيطاني، وجاء الموضوع تحت عنوان مثير:
"بعد خمسين عاما من الصمت: جميلة بوحيرد حوار خاص".
ومن الواضح أن مجرد الحديث مع بوحيرد
هو حدث إعلامي كبير وسبق في حد ذاته، ولذلك كان العنوان على هذا النحو ولم
تتم الإشارة فيه إلى مضمون هذا الحوار، الذي لم يكن في الحقيقة حوارا
بالمفهوم الصحفي، بقدر ما كان عبارة عن سرد لتفاصيل "رحلة للبحث عن جميلة"
التي التقاها الصحفي المصري بعد طول عناء، وانتزع منها بضع عبارات صنع
منها موضوعا كبيرا استحق أن يشغل المساحة الأكبر في الصفحة الأولى
رحلة البحث عن جميلة..
بدأ صحفي أخبار الأدب سرد تفاصيل رحلته بالتعبير عن المفاجأة التي صدمته حين سؤاله عن جميلة بوحيرد بعد وصوله إلى الجزائر وهي أن لا أحد يعرف شيئا عنها، "البعض يقول إنها في فرنسا، وآخرون يقولون إنها تقيم في بيت في أحد أفخم المناطق الجزائرية، وكثيرون تساءلوا: ألا تزال حية؟!
لا أثر لأي معلومة علي مواقع الإنترنت تدل عليها.. كل الخيوط تؤكد علي أن الوصول إليها مستحيل".
وذكر الصحفي المصري أن فنانة تشكيلية التقاها صدفة أعطت له هاتف ابنتها حورية، وهي "مهندسة معمارية لديها مؤسسة للفن المعماري، تشرف على ترميم مباني مدينة القصبة الشهيرة"، ووعدته الابنة بترتيب موعد مع الأم في "رحلة قادمة".
وفي الرحلة الموالية، اكتشف صحفي "أخبار الأدب" أنه نسي رقم هاتف حورية ابنة جميلة داخل كتاب، قبل أن يلتقي "مسؤولا كبيرا في وزارة الثقافة" فاجأه بأنه يملك الرقم الخاص لجميلة نفسها، ومنحه إياه بعدما اشترط عليه عدم إخباره بمصدر حصوله عليه.
وعندما اتصل الصحفي المصري هاتفيا بجميلة بوحيرد، وأطلعها على رغبته في لقائها، ردت عليه: "ما الذي ذكّر بي الصحافة والصحفيين الآن وقد كنت منسية لأكثر من خمسين عاما؟"، فقال الصحفي: "لم ننسك إطلاقا.. أعرف انك تقاطعين الصحافة والصحفيين"، فاعترفت بوحيرد بهذه "المقاطعة"، قبل أن تضيف بدبلوماسية: "لا أريد أن أتحدث لأنني لم أفعل شيئا يستحق التكريم أو الحديث عنه. ما فعلته هو الواجب الذي يمليه علي ضميري وموقفي".
جميلة تجيد الحديث باللهجة المصرية!
ذكرت بوحيرد للصحفي المصري أنها متعبة ولديها كشوفات وتحليلات، وقد لا تجد وقتا لكي تلتقي به، وأعربت عن حبها لمصر وشعبها وشكرها لهم لما قدموه من خدمات للثورة الجزائرية، وسألت عن المخرج الشهير يوسف شاهين، مؤكدة أنها "حزينة عندما علمت بمرضه"، وكشفت أنها كانت غاضبة منه وخاصمته لفترة "ولكن هذا أمر انتهى".
ووعدت جميلة الصحفي بمحاولة لقائه، وقالت: "لا تغضب إذا لم أستطع أن ألقاك"، فطمأنها قائلا أنه لن يمارس معها مهنته، وإنما سيلتقيها ليصافحها ويعطيها نسخة مما كتبه عنها، فقالت: "بالتأكيد لو التقينا سألتقيك كمصري وليس كصحفي"، وسألت جميلة "المواطن المصري" إن كان يعرف اللهجة الجزائرية، لتكشف له أنها تعرف اللهجة المصرية وتجيد التحدث بها.
وفي اليوم التالي ، طلبها "المواطن ـ الصحفي" في الموعد المحدد فراحت تعتذر بشدة لأنها لن تستطيع مقابلته، حيث ستكون في المستشفي لمتابعة التحليلات التي تجريها، ولن يُسمح له بالحديث إليها بسبب تواجدها في مصلحة مرضى القلب الذين يحتاجون الهدوء الشديد، وطلبت منه أن ينقل رسالة شكر منها للشعب المصري على ما قدمه من خدمات للثورة الجزائرية.. "هي خدمات لن ننساها"، لتفاجئه بنيتها في زيارة غير رسمية لمصر لمكتبة الإسكندرية ستكون خطوة أولى لجولة لبعض الدول المشرق العربي الأخرى.
وظلت جميلة بوحيرد
هادئة في حديثها إلى "المواطن المصري"، حتى استيقظ حسه الصحفي وسأله عن
سبب غضبها من قبل على يوسف شاهين، فاستشاطت غضبا، وردت بنبرة فاجأت مبعوث
"أخبار الأدب": "أنت لا تريد أن تنسي أنك صحفي.. وأنا لا أريد أن أتحدث إلي صحفيين".
واعتبرت "أخبار الأدب" بوحيرد أشهر رمز للمقاومة في الجزائر، بل هي الأشهر علي الإطلاق عندما يذكر العرب اسما لمناضلة، وقالت أنها ألهمت الشعراء، "حتى أن بعض النقاد أحصى ما يقرب من سبعين قصيدة كتبها عنها أشهر الشعراء في الوطن العربي : نزار قباني، وصلاح عبد الصبور، بدر شاكر السياب، الجواهري … وعشرات آخرين".
وطّار سبب القطيعة بين بوحيرد والصحافة
نقل صحفي "أخبار الأدب" محمد شعير، الذي حاز شرف "كسر صمت" جميلة بوحيرد عن الروائي الطاهر وطار قوله أن "كراهية جميلة للصحافة لها الكثير مما يبررها". وروى وطّار لـ"أخبار الأدب" قصته مع بوحيرد قائلا: "في عام 1964 كنت رئيسا لتحرير جريدة "الأحرار" وكانت أول جريدة أسبوعية جزائرية، وذهبت مع أحمد بن بلة ووفد كبير من المسؤولين لزيارة القاهرة، وعندما التقيت أحد الوزراء المصريين لإجراء حوار مطول معه.. فاجأني بالسؤال: هل صحيح أن جميلة بوحيرد تزوجت فرنسيا. ارتبكت أمام سؤاله، لم أكن أعرف حقيقة الأمر.. وعندما عدت إلى الجزائر تأكدت، فصدر غلاف الأحرار ويتصدره رسم كاريكاتير لجميلة وبطنها منتفخة بالحمل لطفل يرتدي برنيطة".
ويبدو أن الرسم الكاريكاتوري لم يُغضب جميلة بوحيرد
فقط، وإنما دفع بها إلى كُره الصحافة ككل، حيث دخلت بعدها في قطيعة معها،
ورفضت مئات الطلبات بإجراء حوارات ولقاءات صحفية معها، وحتى عندما وافقت
على الحديث مع صحفي "أخبار الأدب"، فإنها فعلت معه ذلك على أساس أنه مواطن
مصري وليس كصحفي، قبل أن تستغل المجلة هذا اللقاء في عددها الأخير على أنه
سبق صحفي من الوزن الثقيل.