ضجيج الروح
عندما أعادت صياغة كلّ الجمل و اندسّت في آخر سطر من كتاب في رفّ تلك المكتبة ، كان هو هنالك يرمقها بنظراته في صمت و اندهاش ، كان إيقاع المطر في الخارج متسارعا وهي كانت أضاعت مطريتها فغرقت بين هموم الحبر و الحرف و رعب من مطر قد يبلّلها.
أخيرا ها هو دويّ الباب يعلن عن مغادرته المكان لتستعيد حرّيتها و تنعتق من السطر و من الكتاب، جمعت دفاترها و أقلامها و همّت بمغادرة المكان ، لكنّ الصورة كانت هناك ملقاة على الأرض، ربّما سقطت من جيب معطفه أو يكون تعمّد أن تصل إليها ، ليصفعها بها لتذكّرها بأنّ الماضي لا زال ها هنا جاثما على لحظاتها لا يخفيه مداد الحروف أو الكلمات.
من أيّ زمن جاءها هذا الرجل و هي المسكونة بلحظات الإقلاع عن أيّ لحظة قد تلاحقها.
ها هو يعود ليسلّمها بريد الحرف المنغرز طويلا في قلبها الجريح.. لم يعد المكان يسعها و لا عاد المطر في الخارج يرعبها هي الآن على استعداد للانقضاض على أيّ ألم .
تسارعت خطاها ، و اتّسعت حدقة عينه لتحوي كلّ الطريق و تحاصرها لتلقي بها في لحظة ماض أليم.
داخل تلك المستشفى أين كانت تلك الصغيرة، التي شفعت له طويلا ممدّدة تنتظر معجزة من السماء
و الطبيب يقف عاجزا عن إنقاذها فإمكانيات المستشفى محدودة.
توسلته لحظتها للتدخل و الإقلاع بها بعيدا إلى مدينة أخرى و إمكانيات أخرى و هو القادر على ذلك، كانت مجرد المحاولة ستغسل آثامه و تعيد له صفة الإنسان ، لكنّه كان هنالك لمجرّد تأدية واجب الزيارة بعد أن سمحت له زوجته بذلك .
هل يمكن أن تكون الأبوة مجرّد اسم يحمله كائن صغير ضعيف لرجل يريد الانطلاق في هذه الحياة بلا قيود
أو التزامات ، يومها فقط صرخت بأعلى صوتها ذكّرته بكلّ الألم الذي سبّبه لها و لصغيرتها، ودون أن تشعر، انقضّت عليه ترجّه ، تريد إفراغه من برده و صقيعه ليشعر بواجب أبوّته اتجاه الصغيرة ، ليقلق ، ليتحرّك ، لكنّه في اللّحظة التي فتحت فيها الصغيرة عينيها لتراهما ، دفعها حتى سقطت أرضا ، حتى أنّه لم يشعر باستيقاظ الصغيرة التي فلتت من عينها دمعة وهي ترى أمّها مرمية في زاوية من الغرفة منهارة تبكي .
غادر هو المستشفى يومها دون أن يلتفت وراءه و غادرت الصغيرة الدنيا دون رجعة...أيّ وابل من المطر هذا الذي يغرقها، يجعلها نقطة تتلاشى في الأفق؟ بقلم: جميلة طلباوي-بشار 2008م