الإنسانيَّة
هي أرقى صفة يتحلَّى بها المرء، وبها ينبل ويعظم قدرُه في القلب والضمير
أوَّلاً، ثم في مجتمعه ومحيطه ثانيًا، ولا يفقد امرؤ شيئًا من إنسانيته
إلاَّ حينما يفقد شيئًا من شعوره وإحساسه؛ إذ هي أصالة ذاتيَّة يحثُّها
الضمير الصادق، وتلازمها الرُّوح الصافية، فلا يخرج نتاج ذلك إلاَّ
الإنسانية المحمودة المطلوبة؛ لذا جاء الإسلام معزِّزًا تلك القيم
الإنسانية مُثبتًا لأصولها، وبانيًا لها، ومؤصلاً لمبادئها، وضابطًا
لتعاملها، فكانت الإنسانيَّة من أساسيات هذا الدين ومن مبادئه التي يدعو
لها، ولو ادَّعى الأعداء خلاف ذلك، أو أنكر ذلك من لم يعِ مفاهيمَ الإسلام
أو يُدركها، وما من إنسان تخلو نفسه من إنسانيتها إلا لقلَّة دينه، وضعف
ضميره، وفتورٍ في أخلاقه وقلبه.
إنَّ نمو الإنسانية في المرء يومًا بعد يوم يُشعر أنَّ الحالة التي
يعيشها تبشِّر بالخير، وتحثه على ذلك، فما كان أمره كذلك إلا لتجدُّد
النفس، وسموِّ الروح، والإحساس بما يمليه عليه ضميره من تصاويرَ وأمور قد
ساقها حسٌّ صحيح، انبعث من رؤية عاطفيَّة، أو إحساس بشيء من الضرورة في
تقديم ما يستطيع لما يراه.
كم تتعاظم رؤيتك لإنسان قد أخرج إنسانيَّته في صورة واقعة مشاهَدَة؟
تتطلَّع بعد ذلك لأنْ تتعاطف معه تعاطفًا صادقًا؛ لتشاركه فعله الإنسانيَّ
معنويًّا وربَّما ماديًّا، فتنمو بذلك الإنسانيَّة وتكبر، وتنمو بذرتُها
التي وضعت لتكون مثمرة ناجحة.
ما من إنسان يفعل أمرًا يكون فيه جهدٌ إنساني إلا كان له نصيبٌ من ذلك؛
من دعوة صادقة، أو تفريج كربة، أو إغاثة ملهوف، أو بذلٍ لمن لا يستطيع
عملَ شيءٍ ما وكان من الضعفاء في الأرض، فمَن يبذل الإنسانيَّة، ويسلك
طريقها سرًّا وعلانية، ظاهرًا وباطنًا؛ يَجْنِ ثِمار ذلك دنيا وآخرة،
ويبقى ذكره خالدًا ولو لم يعرفه أحد، فالإنسانيَّة الحقَّة نابعة من صفاء
وإيمان كامل لا يشوبه تشويه أو خلل أو مقصد سيئ.
الإنسان حينما يحقق إنسانيَّته تكون مشاعره مُتحدةَ الجهات، مُحققةً ما
تريد من أعمال إنسانيَّة، تَصُبُّ في صالح نُمو الإنسانية؛ فتَتَّجه نحو
تلك الظاهرة أفعالُه التي هي أفراحه في عمل شيء يمكُث ويخدم الإنسانية.
وشتَّان بين أن ترى إنسانًا يدعو إلى الإنسانية، فيبذل لها، ويدعو لها،
ويستميت لأجلها، فهو يقولها بفمه، وتصدِّقُها جوارحه، وتدعو لذلك أفعالُه
- وبين من ينادي بها قولاً، ويحاربُها فعلاً، مُخالفًا بذلك نفسه،
مكذِّبًا لادعاءاته، وحين يزعم أنَّه راعيًا لها تكون أفعاله خيرَ شاهد
سيِّئ، وآثاره مفنِّدة لما تفوَّه به؛ فتُمحق أقواله بسوء أفعاله، والأول
في النَّظَر مُكرَّم؛ لا لذاته، بل لتكريمه وبذله وحفاظه على الإنسانيَّة،
والآخر مُهان؛ لا لعداوة، بل لامتهانه وإسفافه بالإنسانيَّة ومعانيها.
وليس كل من ادَّعى الإنسانية كان رمزًا لها أو بارزًا في ذلك، فكم من
داعٍ للإنسانيَّه احتاج هو إلى أن يَبنِيَ إنسانيته، وكم من متكلمٍ باسم
الإنسانيَّة كانت الإنسانية أبعدَ ما يكون مِمَّا يتظاهر به، وكم من ماحق
للإنسانية باسم الإنسانيَّة تزييفًا وشعارًا.
كم هو محروم فعلاً مَن لم يعرف الإنسانيَّة، أو أن يدرك معانيها، أو
يحيط بمدلولاتها ومفاهيمها! فبفقدانه الإنسانيَّة يفقد بذلك مَيزَته
وتميُّزه الذي أراده الله له، وسعى الإسلام لأن يكون بها متفرِّدًا مؤمنًا
مستشعرًا أهَمِّيَّته وأهَمية مَن يحملُهم كَونُه.
وكم هو مجرم من يغتال القيم الإنسانية في مُجتمعه بزرع مناقضاتها
وتحبيبها للنَّاس، سواء كان ذلك بقصد منه أم بغير قصد! فيبيد أجمل صور
حملتها الإنسانية، ويُحل محلَّها صورًا، هي سُمٌّ في عسل، وغوًى مُدَّثِرٌ
بلباس واعظ، فيَدَّعُون بذلك نبذ ما تعارف عليه النَّاس من قيم إنسانيَّة،
ويَدَّعُون أنَّ تلك من أعمال الإنسانيَّة، وربَّما وضع شيئًا يسيرًا من
أعمال إنسانية ظَنَّ أنَّه شافع له في أن يستميلَ من أعرَضَت قلوبهم عنه،
وما درى أن الشيطان لا يكون أبدًا من الناصحين.
إن الإنسان حين يكون إنسانًا يزرع في مُجتمعه وفيمن حوله تلك الخِصلة
النبيلة، وذلك الخلق السامي؛ فيصبحُ في ثَمرة فعله سعادة من حَوَتْهم،
وحياةُ من شملتهم، وأُنس من كانت لهم؛ لتكون بذلك صورة تعاونيَّة خالدة
الذكر في النَّفس والنَّظَر، باقية الأثر، مُجتمعًا عليها مَن فَقَدها أو
فقد شيئًا من معانيها.
هي أرقى صفة يتحلَّى بها المرء، وبها ينبل ويعظم قدرُه في القلب والضمير
أوَّلاً، ثم في مجتمعه ومحيطه ثانيًا، ولا يفقد امرؤ شيئًا من إنسانيته
إلاَّ حينما يفقد شيئًا من شعوره وإحساسه؛ إذ هي أصالة ذاتيَّة يحثُّها
الضمير الصادق، وتلازمها الرُّوح الصافية، فلا يخرج نتاج ذلك إلاَّ
الإنسانية المحمودة المطلوبة؛ لذا جاء الإسلام معزِّزًا تلك القيم
الإنسانية مُثبتًا لأصولها، وبانيًا لها، ومؤصلاً لمبادئها، وضابطًا
لتعاملها، فكانت الإنسانيَّة من أساسيات هذا الدين ومن مبادئه التي يدعو
لها، ولو ادَّعى الأعداء خلاف ذلك، أو أنكر ذلك من لم يعِ مفاهيمَ الإسلام
أو يُدركها، وما من إنسان تخلو نفسه من إنسانيتها إلا لقلَّة دينه، وضعف
ضميره، وفتورٍ في أخلاقه وقلبه.
إنَّ نمو الإنسانية في المرء يومًا بعد يوم يُشعر أنَّ الحالة التي
يعيشها تبشِّر بالخير، وتحثه على ذلك، فما كان أمره كذلك إلا لتجدُّد
النفس، وسموِّ الروح، والإحساس بما يمليه عليه ضميره من تصاويرَ وأمور قد
ساقها حسٌّ صحيح، انبعث من رؤية عاطفيَّة، أو إحساس بشيء من الضرورة في
تقديم ما يستطيع لما يراه.
كم تتعاظم رؤيتك لإنسان قد أخرج إنسانيَّته في صورة واقعة مشاهَدَة؟
تتطلَّع بعد ذلك لأنْ تتعاطف معه تعاطفًا صادقًا؛ لتشاركه فعله الإنسانيَّ
معنويًّا وربَّما ماديًّا، فتنمو بذلك الإنسانيَّة وتكبر، وتنمو بذرتُها
التي وضعت لتكون مثمرة ناجحة.
ما من إنسان يفعل أمرًا يكون فيه جهدٌ إنساني إلا كان له نصيبٌ من ذلك؛
من دعوة صادقة، أو تفريج كربة، أو إغاثة ملهوف، أو بذلٍ لمن لا يستطيع
عملَ شيءٍ ما وكان من الضعفاء في الأرض، فمَن يبذل الإنسانيَّة، ويسلك
طريقها سرًّا وعلانية، ظاهرًا وباطنًا؛ يَجْنِ ثِمار ذلك دنيا وآخرة،
ويبقى ذكره خالدًا ولو لم يعرفه أحد، فالإنسانيَّة الحقَّة نابعة من صفاء
وإيمان كامل لا يشوبه تشويه أو خلل أو مقصد سيئ.
الإنسان حينما يحقق إنسانيَّته تكون مشاعره مُتحدةَ الجهات، مُحققةً ما
تريد من أعمال إنسانيَّة، تَصُبُّ في صالح نُمو الإنسانية؛ فتَتَّجه نحو
تلك الظاهرة أفعالُه التي هي أفراحه في عمل شيء يمكُث ويخدم الإنسانية.
وشتَّان بين أن ترى إنسانًا يدعو إلى الإنسانية، فيبذل لها، ويدعو لها،
ويستميت لأجلها، فهو يقولها بفمه، وتصدِّقُها جوارحه، وتدعو لذلك أفعالُه
- وبين من ينادي بها قولاً، ويحاربُها فعلاً، مُخالفًا بذلك نفسه،
مكذِّبًا لادعاءاته، وحين يزعم أنَّه راعيًا لها تكون أفعاله خيرَ شاهد
سيِّئ، وآثاره مفنِّدة لما تفوَّه به؛ فتُمحق أقواله بسوء أفعاله، والأول
في النَّظَر مُكرَّم؛ لا لذاته، بل لتكريمه وبذله وحفاظه على الإنسانيَّة،
والآخر مُهان؛ لا لعداوة، بل لامتهانه وإسفافه بالإنسانيَّة ومعانيها.
وليس كل من ادَّعى الإنسانية كان رمزًا لها أو بارزًا في ذلك، فكم من
داعٍ للإنسانيَّه احتاج هو إلى أن يَبنِيَ إنسانيته، وكم من متكلمٍ باسم
الإنسانيَّة كانت الإنسانية أبعدَ ما يكون مِمَّا يتظاهر به، وكم من ماحق
للإنسانية باسم الإنسانيَّة تزييفًا وشعارًا.
كم هو محروم فعلاً مَن لم يعرف الإنسانيَّة، أو أن يدرك معانيها، أو
يحيط بمدلولاتها ومفاهيمها! فبفقدانه الإنسانيَّة يفقد بذلك مَيزَته
وتميُّزه الذي أراده الله له، وسعى الإسلام لأن يكون بها متفرِّدًا مؤمنًا
مستشعرًا أهَمِّيَّته وأهَمية مَن يحملُهم كَونُه.
وكم هو مجرم من يغتال القيم الإنسانية في مُجتمعه بزرع مناقضاتها
وتحبيبها للنَّاس، سواء كان ذلك بقصد منه أم بغير قصد! فيبيد أجمل صور
حملتها الإنسانية، ويُحل محلَّها صورًا، هي سُمٌّ في عسل، وغوًى مُدَّثِرٌ
بلباس واعظ، فيَدَّعُون بذلك نبذ ما تعارف عليه النَّاس من قيم إنسانيَّة،
ويَدَّعُون أنَّ تلك من أعمال الإنسانيَّة، وربَّما وضع شيئًا يسيرًا من
أعمال إنسانية ظَنَّ أنَّه شافع له في أن يستميلَ من أعرَضَت قلوبهم عنه،
وما درى أن الشيطان لا يكون أبدًا من الناصحين.
إن الإنسان حين يكون إنسانًا يزرع في مُجتمعه وفيمن حوله تلك الخِصلة
النبيلة، وذلك الخلق السامي؛ فيصبحُ في ثَمرة فعله سعادة من حَوَتْهم،
وحياةُ من شملتهم، وأُنس من كانت لهم؛ لتكون بذلك صورة تعاونيَّة خالدة
الذكر في النَّفس والنَّظَر، باقية الأثر، مُجتمعًا عليها مَن فَقَدها أو
فقد شيئًا من معانيها.