المبحث الأول
ماهية التظلم الإداري وأنواعه
المطلب الأول
ماهية التظلم الإداري والحكمة من اللجوء إليه
تعريف التظلم الإدارى
التظلم الإدارى يعنى ببساطة عدم رضاء صاحب الشأن بالقرار الذى علم به بواسطة النشر أو الإعلان أو العلم اليقينى ، فبادر بكتابة هذا على شكل تظلم وأرسله للإدارة مصدرة القرار أو لرئيسها طالباً إعادة النظر فيه وسحبه أو إلغاؤه .
فمصدر القرار من حقه – حال علمه بعدم مشروعية قراره – أن يصحح قراره ويطهره من العيوب التى لحقته ، بل يعد ذلك أفضل من إلغاء القرار قضائياً [8]؛ إذ أنه بذلك قد أظهر إحترامه للقانون ، وتقديره لوقف القضاء فغناه البحث فى شرعية قراره ، وأعاد للمتضرر حقوقه دون إجباره على الذهاب إلى القضاء . وهذا هو المفروض أصلاً فى مصدر القرار ؛ وهذا الحق ليس مطلقاً ، وإنما مقيد بذات مواعيد الطعن بالإلغاء لنفس الأسباب التى سبق أن أشرنا إلها ، ويتعلق بذات القرارات التى خص المشرع الطعن فيها بمواعيد قصيرة قوامها ستون يوماً . أيضاً ما يملكه مصدر القرار فهو معترف به لرئيسه . فالسلطه الرئاسية تعطى للرئيس الإدارى بالإضافة إلى السلطات التى يباشرها حيال أشخاص المرؤسيين سلطات يباشرها حيال أو بصدد أعمالهم ، إذ له حق سحبها أو إلغائها أو تعديلها وذلك حسب طبيعة الإختصاص الممنوح للرئيس .
ومما سبق يتبن لنا أن صاحب الشأن إذا ما توجه فور سماعه وعلمه بالقرار بالوسائل التى حددها المشرع والقضاء وخلال ميعاد الستين يوماً إلى مصدر القرار أو رئيسه ووصل إليه تظلمه بشخصه ، أو بالبريد أو بأى وسيلة أخرى ، فهذا معناه انه لم يهمل فى حقوقه ، بل على العكس هو مستعد للمطالبة بها وحريص على الوصول إليها ؛ ولذلك قرر المشرع والقضاء إنقطاع الميعاد من يوم وصوله للجهة الإدارية إلى أن يبت فى طلبه بالشكل الذى سنعالجه فيما بعد . والتظلم الذى يقطع ميعاد الطعن بالإلغاء له معنى محدد فى قضاء مجلس الدولة سواء فى فرنسا أم فى مصر ، فهو ذلك الطلب الذى يقدم من صاحب الشأن للجهة الإدارية مصدرة القرار او للجهة الرئاسية لها طالباً فيه إعادة النظر فى القرار محل التظلم ، حيث إنه غير مرغوب فيه ويطلب منها تعديله إو إلغاؤه . وأى طلب يخرج عن هذا المضمون لا يترتب عليه إنقطاع ميعاد الطعن بالإلغاء واو أخذ فى ظاهره شكل التظلم الإدارى ، إذ العبرة بمضمون التظلم وطلبات المتظلم فيه وليس بشكله ...
وعلى ذلك فإن طلب صاحب الشأن لجلسة يتشاور فيها مع الإدارة أو لأخذ رأيه فى القرار من جهة الإدارة أو للإحتجاج فقط عليه لافتاً نظرها حول نتائجه ، أو لطلب رعايتها وكرمها وتفضلها عليه ، كل ذلك لا يدخل فى عداد التظلم الإدارى الذى نقصده ، ولا يترتب عليه أدنى أثر بالنسبة لميعاد دعوى الإلغاء .
وأخيراً لا يدخل فى التظلم مجرد طلب صاحب الشأن بيان أسباب القرار الإدارى الذى صدر فيه ، ولو كانت الإدارة ملزمة بتسبيب هذا القرار بمقتضى نص تشريعى أو لإستقرار القضاء على ذلك إلا أن المشرع الفرنسى قد خرج على هذه القاعدة فى فرضيه محدده لا يقاس عليها وردت فى صلب المادة الخامسة من قانون 11 يوليو سنة 1979م والتى تقضى بأنه : " إذا إلتزمت الإدارة الصمت فى موقف معين كان من المفروض أن تتدخل فيه بقرار صريح مسبب ، فإن طلب تقديمها لأسباب قرارها الضمنى يقطع ميعاد الطعن بالإلغاء حتى تاريخ تسليم هذه الأسباب لصاحب الشأن أو إعلانه بها ". وقد إستقر مجلس الدولة الفرنسى هنا على انه مهما طال سكوت الادارة حيال هذا الطلب فان هذا السكوت لا يتحول الى قرار ضمنى بالرفض ويظل الميعاد منقطعاً حتى تلبى الإدارة طلب صاحب الِشأن وتنفذ ما ألزمها به النص السابق .
ومن المعنى السابق للتظلم الإدارى يمكن أن نستنتج مبأ هام عرضنا على تقديمه هنا بالذات وقبل الدخول فى التفاصيل الدقيقه المتعلقة بموضوع التظلم الإدارى ، وهو أن المراد منه الطلب من مصدر القرار أو رئيسه سحب القرار او إلغاؤه ، وهذا لن يتأتى إذا كان القرار أصلاً لايجوز سحبه بعد إصداره ؛ إذ فى حالات معينه يحدد المشرع أن بعض القرارات الإدارية لايجوز سحبها أو تعديلها أو إلغاؤها من مصدر القرار أو رئيسه . ومثال ذلك تصديق وزير الداخلية على قرارات لجنة العمد والمشايخ ، بهذا التصديق يمتنع عليه بعد ذلك إعادة النظر فى هذه القرارات التى اعتمدها بالتعديل أو الالغاء أو السحب ؛ وعلى ذلك فالتظلم من هذا القرارات يصبح أمراً غير مجد ولن يؤدى فى النهاية إلى شئ يذكر . وعلى ذلك لا يجوز التظلم منها .
فإن تظلم صاحب الشأن فلا يقطع تظلمه هذا الميعاد الأصلى لرفع دعوى الإلغاء . وتنطبق نفس القاعدة السابقة ولا يقطع التظلم الميعاد لكونه غير مجد إذا ما أصدرت الإدارة قرارها وأوضحت أنها لن تقبل إعادة النظر فيه مرة ثانية ، ففى مثل هذه الحالة لا داعى و لا جدوى للتظلم منها ، وبالتالى فإن تظلم رغم ذلك لا يعد تظلمه قاطعاً للميعاد الأصلى للطعن بالإلغاء . هذا وقد عرفت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة التظلم بقولها : .... " إن التظلم هو وسيلة إدارية[9] للتضرر من القرار الإدارى أو التأديبى يقدمه العامل إلى الجهة الإدارية عسى أن تعدل عن قرارها فتسحبه وتكفى العامل مئونة الإلتجاء إلى التقاضى طلباً لإلغاء القرار ".
الحكمة من التظلم
لقد أبانت المذكرة الإيضاحية[10] للقانون رقم 165 لسنة 1955م بشأن مجلس الدولة الذى استحدث لأول مرة التظلم الإدارى الوجوبى عن الحكمة من التظلم الإدارى وهو تقليل الوارد من القضايا بقدر المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية الإدارية بطرق أيسر بإنهاء تلك المنازعات فى مراحلها الأولى إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه فإن رفضته أو لم تنبت فيه خلال الميعاد المقرر فله أن يلجأ إلى طريق التقاضى .
وقد عبرت عن ذلك المحكمة الإدارية الإدارية بقولها : " بأن الحكمة من هذا التظلم هى الرغبة فى التقليل من المنازعات بإنهائها فى مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس ووذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه " . وقد قضت محكمة القضاء الإدارى بأن : " علة التظمل الإدارى لمصدر القرار أو لمن يعلوه فى السلم الرئاسى إنما هو إحتمال تبين خطأ القرار والعدول عنه بسحبه فى المدة القانونية11) ".
ويساعد على فهم الحكمة من ضرورة الإلتجاء إلى التظلم الوجوبى بصفة خاصة أنه لايمكن أن يفترض فى الإدارة تعمدها مخالفة القانون فى القرارا المتظلم منه ومن ثم فإن هذا التظلم يفتح السبيل أمامها للتعرف على حطئها وذلك بسحبه سواء كان التظمل مقدماً إلى السلطة التى أصدرته أو السلطة الرئاسية .
إذن فالتظلم سواء أكان إختيارياً أو وجوبياً يقطع سريان ميعاد صنع دعوى الإلغاء[11] والغاية من التظلم هى تمكين ذوى الشأن من بسط أسباب تظلمهم من القرار وتبصير الإدارة فى الوقت ذاته بهذه الأسباب حتى يتسنى لها وزظنها وتقدير جديتها لإمكان البت فى التظمل فترجع عت قرارها الخاطئ وتكفى ذوى ذوى الشأن مؤونة التقاضى فى شأنه[12] . وبذلك يتحقق الغرض الذى تبناه الشارع من التظلم كما ورد فى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955م .
المطلب الثانى
أنواع التظلم الإداري
التظلم الإدارى نوعان ، تظلم إختيارى وتطلم إجبارى ؛ وفيما يلى بيان أحكام كل تظلم على حدة
الفرع الأول
التظــــــــــــــــلم الإخــــتيــــــارى
تنص المادة 24 من قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972م فى فقرتها الثانية على أن : " وينقطع سريان هذا الميعاد[13] بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التى أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية ، ويجب أن يبت فى التظلم قبل مضى ستين يوماً من تاريخ تقديمه ؛ وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً ، ويعتبر مضى ستين يوماً على تقديم التظلم ، دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه ؛ وكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن فى القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ إنقضاء الستين يوماً المذكورة . " .
وتتعلق هذا المادة بالتظلم الإختيارى ، وبإستعراض بنودها ومحتواها يمكن لنا أن نستنتج الأحكام التالية :
إن التظلم الإختيارى هو الأصل ؛ فالتظلم ــ أصلاً ــ متروك لتقدير ذوى الشأن ولا إكراه أو إجبار ــ كمبدأ ــ على القيام به . والإستثناء أن يكون التظلم إجبارياً حيث يقدر المشرع فى ظروف معينه وحالات محددة ، جدوى وضرورة التظلم فيتطلبه جبراً قبل تحريك الدعوى . ويعتبر بذلك شرطاً إضافياً من شروط قبول الدعوى . وقد أبرز مجلس الدولة الفرنسى هذا الأصل العام فى أحكماه المتعددة ؛ إذ جعل من التظلم الإدارى حقاً لكل ذى مصلحة ورتب عليه إنقطاع الميعاد الخاص برفع دعوى تجاوز السلطة ، إذ يقول فى أحد الأحكام : " كل قرار إدارى يمكن ان يكون موضوعاً خلال المدة المعينة لدعوى قضائية ، أو لتظلم إدارى ولائى أو رئاسى ، وهذا التظلم يقطع ميعاد الطعن لتجاوز السلطة " .وكذلك إستقر القضاء الإدارى المصرى على هذا الاصل ، وفى حكم حديث نسبياً قضت المحكمة الادارية العليا بأن " اللجوء إلى القضاء أمر إختيارى . لا إلزام على الموظف أن يلجأ للقضاء فاللجوء إلى القضاء لا يحول دون الإلتجاء إلى أولى الأمر من حيث التظلم وأساس ذلك أن التظلم هو الأصل فى مجال استخلاص ذوى الشأن لحقوقهم ورفع الظلم عنهم ؛ حيث أن الادارة وهى الخصم الشريف يتعين عليها أن تعطى الحق لأصحابه دون تكبدهم مشقة القضاء وإجراءاته ويؤكد ذلك ان المشرع حرصاً منه على تخفيف العبء عن العامل وتجنيبه أعباء التقاضى اشترط لقبول دعوى الالغاء فى بعض الاحوال أن يسبقها تظلم ، لعل صاحب المصلحه يحقق طلباته دون طرح المنازعة على القضاء[14] ".
لصاحب الشأن ألا يتظلم من القرار ــ فهو بالخيار ــ ويتجه مباشرةً ــ إن رأى وجهاً لذلك ــ إلى القضاء بدعوى إلغاء ضد هذا القرار .
نتيجة لما سبق ، يجوز من باب أولى ؟أن يجمع صاحب الشأن بين الطريقين فى آن واحد ، فبعد تقديم التظلم فى الميعاد ، لاينتظر الفصل فى هذا التظلم ولا ينتظر أيضاً فوات الستين يماً من تاريخ وصول تظلمه للجهة الغدارية ، فيرفع دعوى الإلغاء فى خلال المدة الأولى الأصلية والى قدم فيها تظلمه .
ومع ذلك فقد قضت محكمة القضاء الإدارى بأن إلتجاء صاحب الشأن إلى أحد الطرقيين لا يحول دون إلتجائه إلى الطريق الآخر ، على أ، تراعى مواعيد الطعن القانونية[15].
وهنا يأخذ الموقف أحد الفروض الآتيه : إما أن ترفض الإدارة التظلم ، فلا يضيره ذلك شئ لأن دعوى الإلغاء قد تم رفعها وينتظر الفصل فيها ، وتكون قد رفعت فى الميعاد ، وإما أن تجيبه الإدارة إلى مطلبه كلياً ، وهنا تصبح الدعوى عديمة الجدوى ، ويحكم القاضى برفضها لا لعدم رفعها فى الميعاد ، فهى قد رفعت فى الميعاد وإنما لأن الدعوى أصبحت غير ذى موضوع ولم يعد لصاحب الشأن مصلحة فى الإستمرار فى دعواه ، وكما نعمل فغن شرط المصلحة يشترط توافره عند رفع الدعوى وأن يسيتمر حتى يتم الفصل فيها .وإما أن تستجيب الإدارة إلى جزء من طلباته ، فهو بالخيار فى هذه الحالة ، بأن يستمر فى دعواه أو أن يتركها تشطب لقناعته بما حصل عليه ورضائه به .وإما أن تسكت ولا ترد على طلبه وهنا يستمر فى متابعة دعواه القضائية ولا يلتفت لصمت الإدارة .
ونستخلص من رقم[3] إختلافاً جوهرياً بين التظلم الاختيارى والتظمل الاجبارى ، فبالاضافة لعنصر الإلزام فى التظلم الثانى نجد أنه لايجوز مطلقاً رفع الدعوى قبل إجرائه ، فهو دائماً سابق على تحريك دعوى الإلغاء ، أما التظلم الاختيارى فهو كما يكون سابقاً على رفع الدعوى يمكن أن يكون لاحقاً عيها ، وتقبل دعواه مادام تم رفعها فى الميعاد .
يتحدث الفقه والقضاء عن التظلم الولائى والتظلم الرئاسى ، وهذا وذاك يقدم إلى الجهة الإدارية التى يتبعها مصدر القرار ويرتبط بها برابطة تبعية Subordination ، وكن لم نجد أى صدى فى الفقه المصرى ولا فى أحكام القضاء المصرى ، تخص التظلم الى السلطة الوصائية الادارية فهل التظمل الى هذا السلطة يحدث أثره فى إنقطاع ميعاد الطعن بالإلغاء ؟
ظاهر نص المادة 24 من قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972م يعطى إجابة بالنفى على ذها التساؤل ، لأنه يتحدث عن التظمل الى الهيئة الادارية التى اصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية .،
وسلطة الوصاية ليست هيئة رئاسيه لمصدر القرار ، ومعنى ذلك أن التظلم ليها لا يقطع الميعاد . ويرى البعض ــ دون التعرض لهذا المسألة مباشرة ــ أن تقديم التظلم الى أية جهة أخرى لا ينتج أثره فى قطع الميعاد إذا لم تعلم به الجهة الإدارية المختصة .
والحقيقة أننا نرى مع تسامح القضاء فى إجراءات التظلم وحيال دعوى الإلغاء بصفة عامة أن التظلم الى السلطة الوصائية ينتج أثره فى قطع ميعاد رفع دعوى الالغاء ، على الاقل فيما يخص النظام القانونى المصرى، لأن سلطة الوصاية تملك حاجة الشاكى وقضاء مظلمته ، فهى تملك سحب قرار السلطة الخاضعة للوصاية . وتملك أيضاً إلغاءه ، كل ما تملكه هو تعديل القرار أو إحلال آخر محله إلا فى حالات محدده بنص وفى حدود هذا النص بالنسبة للحلول . وعلى ذلك فالسحب والالغاء كافيان لأعدام القرار الغير المشروع ، وتتحقق بذلك الحكمة التى كان يصبو إليها حينما قرر أن التظلم يقطع مبعاد الطعن بالإلغاء ، وهى تفادى قيام أنزعه قضائية فى الوقت الذى تستطيع فيه الادارة وهى خصم شريف إنهاء هذه الأنزعة والإحالة دون وصولها الى ساحة القضاء . ولكن بعض الفقه الفرنسى لا يؤيد وجهة النظر هذه ويرى بأن التظلم إلى السلطة الوصائية لا يقطع الميعاد إلا بنص قانونى يقرر ذلك .
وموقف الفقه الفرنسى مبرر ولا تعليق عليه حالياً ، وذلك راجع لأن القوانين الحديثة المتعلقة باللامركزية الادارية فى فرنسا بدءاً من قانون 2 مارس 1982 م وجميع التعديلات التى طرات عليه ، قد أنهت الوصاية الادارية كلية ولم يعد لسلطة الوصاية أى سلطة حيال أعمال السلطة المحلية ، وأصبح ممثل السلطة المركزية لايملك حيال هذا الأعمال إلا الطعن عليها أمام القضاء الادارى شأنه فى ذلك شأن الأفراد المخاطبين بهذه القرارات
ماهية التظلم الإداري وأنواعه
المطلب الأول
ماهية التظلم الإداري والحكمة من اللجوء إليه
تعريف التظلم الإدارى
التظلم الإدارى يعنى ببساطة عدم رضاء صاحب الشأن بالقرار الذى علم به بواسطة النشر أو الإعلان أو العلم اليقينى ، فبادر بكتابة هذا على شكل تظلم وأرسله للإدارة مصدرة القرار أو لرئيسها طالباً إعادة النظر فيه وسحبه أو إلغاؤه .
فمصدر القرار من حقه – حال علمه بعدم مشروعية قراره – أن يصحح قراره ويطهره من العيوب التى لحقته ، بل يعد ذلك أفضل من إلغاء القرار قضائياً [8]؛ إذ أنه بذلك قد أظهر إحترامه للقانون ، وتقديره لوقف القضاء فغناه البحث فى شرعية قراره ، وأعاد للمتضرر حقوقه دون إجباره على الذهاب إلى القضاء . وهذا هو المفروض أصلاً فى مصدر القرار ؛ وهذا الحق ليس مطلقاً ، وإنما مقيد بذات مواعيد الطعن بالإلغاء لنفس الأسباب التى سبق أن أشرنا إلها ، ويتعلق بذات القرارات التى خص المشرع الطعن فيها بمواعيد قصيرة قوامها ستون يوماً . أيضاً ما يملكه مصدر القرار فهو معترف به لرئيسه . فالسلطه الرئاسية تعطى للرئيس الإدارى بالإضافة إلى السلطات التى يباشرها حيال أشخاص المرؤسيين سلطات يباشرها حيال أو بصدد أعمالهم ، إذ له حق سحبها أو إلغائها أو تعديلها وذلك حسب طبيعة الإختصاص الممنوح للرئيس .
ومما سبق يتبن لنا أن صاحب الشأن إذا ما توجه فور سماعه وعلمه بالقرار بالوسائل التى حددها المشرع والقضاء وخلال ميعاد الستين يوماً إلى مصدر القرار أو رئيسه ووصل إليه تظلمه بشخصه ، أو بالبريد أو بأى وسيلة أخرى ، فهذا معناه انه لم يهمل فى حقوقه ، بل على العكس هو مستعد للمطالبة بها وحريص على الوصول إليها ؛ ولذلك قرر المشرع والقضاء إنقطاع الميعاد من يوم وصوله للجهة الإدارية إلى أن يبت فى طلبه بالشكل الذى سنعالجه فيما بعد . والتظلم الذى يقطع ميعاد الطعن بالإلغاء له معنى محدد فى قضاء مجلس الدولة سواء فى فرنسا أم فى مصر ، فهو ذلك الطلب الذى يقدم من صاحب الشأن للجهة الإدارية مصدرة القرار او للجهة الرئاسية لها طالباً فيه إعادة النظر فى القرار محل التظلم ، حيث إنه غير مرغوب فيه ويطلب منها تعديله إو إلغاؤه . وأى طلب يخرج عن هذا المضمون لا يترتب عليه إنقطاع ميعاد الطعن بالإلغاء واو أخذ فى ظاهره شكل التظلم الإدارى ، إذ العبرة بمضمون التظلم وطلبات المتظلم فيه وليس بشكله ...
وعلى ذلك فإن طلب صاحب الشأن لجلسة يتشاور فيها مع الإدارة أو لأخذ رأيه فى القرار من جهة الإدارة أو للإحتجاج فقط عليه لافتاً نظرها حول نتائجه ، أو لطلب رعايتها وكرمها وتفضلها عليه ، كل ذلك لا يدخل فى عداد التظلم الإدارى الذى نقصده ، ولا يترتب عليه أدنى أثر بالنسبة لميعاد دعوى الإلغاء .
وأخيراً لا يدخل فى التظلم مجرد طلب صاحب الشأن بيان أسباب القرار الإدارى الذى صدر فيه ، ولو كانت الإدارة ملزمة بتسبيب هذا القرار بمقتضى نص تشريعى أو لإستقرار القضاء على ذلك إلا أن المشرع الفرنسى قد خرج على هذه القاعدة فى فرضيه محدده لا يقاس عليها وردت فى صلب المادة الخامسة من قانون 11 يوليو سنة 1979م والتى تقضى بأنه : " إذا إلتزمت الإدارة الصمت فى موقف معين كان من المفروض أن تتدخل فيه بقرار صريح مسبب ، فإن طلب تقديمها لأسباب قرارها الضمنى يقطع ميعاد الطعن بالإلغاء حتى تاريخ تسليم هذه الأسباب لصاحب الشأن أو إعلانه بها ". وقد إستقر مجلس الدولة الفرنسى هنا على انه مهما طال سكوت الادارة حيال هذا الطلب فان هذا السكوت لا يتحول الى قرار ضمنى بالرفض ويظل الميعاد منقطعاً حتى تلبى الإدارة طلب صاحب الِشأن وتنفذ ما ألزمها به النص السابق .
ومن المعنى السابق للتظلم الإدارى يمكن أن نستنتج مبأ هام عرضنا على تقديمه هنا بالذات وقبل الدخول فى التفاصيل الدقيقه المتعلقة بموضوع التظلم الإدارى ، وهو أن المراد منه الطلب من مصدر القرار أو رئيسه سحب القرار او إلغاؤه ، وهذا لن يتأتى إذا كان القرار أصلاً لايجوز سحبه بعد إصداره ؛ إذ فى حالات معينه يحدد المشرع أن بعض القرارات الإدارية لايجوز سحبها أو تعديلها أو إلغاؤها من مصدر القرار أو رئيسه . ومثال ذلك تصديق وزير الداخلية على قرارات لجنة العمد والمشايخ ، بهذا التصديق يمتنع عليه بعد ذلك إعادة النظر فى هذه القرارات التى اعتمدها بالتعديل أو الالغاء أو السحب ؛ وعلى ذلك فالتظلم من هذا القرارات يصبح أمراً غير مجد ولن يؤدى فى النهاية إلى شئ يذكر . وعلى ذلك لا يجوز التظلم منها .
فإن تظلم صاحب الشأن فلا يقطع تظلمه هذا الميعاد الأصلى لرفع دعوى الإلغاء . وتنطبق نفس القاعدة السابقة ولا يقطع التظلم الميعاد لكونه غير مجد إذا ما أصدرت الإدارة قرارها وأوضحت أنها لن تقبل إعادة النظر فيه مرة ثانية ، ففى مثل هذه الحالة لا داعى و لا جدوى للتظلم منها ، وبالتالى فإن تظلم رغم ذلك لا يعد تظلمه قاطعاً للميعاد الأصلى للطعن بالإلغاء . هذا وقد عرفت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة التظلم بقولها : .... " إن التظلم هو وسيلة إدارية[9] للتضرر من القرار الإدارى أو التأديبى يقدمه العامل إلى الجهة الإدارية عسى أن تعدل عن قرارها فتسحبه وتكفى العامل مئونة الإلتجاء إلى التقاضى طلباً لإلغاء القرار ".
الحكمة من التظلم
لقد أبانت المذكرة الإيضاحية[10] للقانون رقم 165 لسنة 1955م بشأن مجلس الدولة الذى استحدث لأول مرة التظلم الإدارى الوجوبى عن الحكمة من التظلم الإدارى وهو تقليل الوارد من القضايا بقدر المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية الإدارية بطرق أيسر بإنهاء تلك المنازعات فى مراحلها الأولى إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه فإن رفضته أو لم تنبت فيه خلال الميعاد المقرر فله أن يلجأ إلى طريق التقاضى .
وقد عبرت عن ذلك المحكمة الإدارية الإدارية بقولها : " بأن الحكمة من هذا التظلم هى الرغبة فى التقليل من المنازعات بإنهائها فى مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس ووذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه " . وقد قضت محكمة القضاء الإدارى بأن : " علة التظمل الإدارى لمصدر القرار أو لمن يعلوه فى السلم الرئاسى إنما هو إحتمال تبين خطأ القرار والعدول عنه بسحبه فى المدة القانونية11) ".
ويساعد على فهم الحكمة من ضرورة الإلتجاء إلى التظلم الوجوبى بصفة خاصة أنه لايمكن أن يفترض فى الإدارة تعمدها مخالفة القانون فى القرارا المتظلم منه ومن ثم فإن هذا التظلم يفتح السبيل أمامها للتعرف على حطئها وذلك بسحبه سواء كان التظمل مقدماً إلى السلطة التى أصدرته أو السلطة الرئاسية .
إذن فالتظلم سواء أكان إختيارياً أو وجوبياً يقطع سريان ميعاد صنع دعوى الإلغاء[11] والغاية من التظلم هى تمكين ذوى الشأن من بسط أسباب تظلمهم من القرار وتبصير الإدارة فى الوقت ذاته بهذه الأسباب حتى يتسنى لها وزظنها وتقدير جديتها لإمكان البت فى التظمل فترجع عت قرارها الخاطئ وتكفى ذوى ذوى الشأن مؤونة التقاضى فى شأنه[12] . وبذلك يتحقق الغرض الذى تبناه الشارع من التظلم كما ورد فى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955م .
المطلب الثانى
أنواع التظلم الإداري
التظلم الإدارى نوعان ، تظلم إختيارى وتطلم إجبارى ؛ وفيما يلى بيان أحكام كل تظلم على حدة
الفرع الأول
التظــــــــــــــــلم الإخــــتيــــــارى
تنص المادة 24 من قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972م فى فقرتها الثانية على أن : " وينقطع سريان هذا الميعاد[13] بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التى أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية ، ويجب أن يبت فى التظلم قبل مضى ستين يوماً من تاريخ تقديمه ؛ وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً ، ويعتبر مضى ستين يوماً على تقديم التظلم ، دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه ؛ وكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن فى القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ إنقضاء الستين يوماً المذكورة . " .
وتتعلق هذا المادة بالتظلم الإختيارى ، وبإستعراض بنودها ومحتواها يمكن لنا أن نستنتج الأحكام التالية :
إن التظلم الإختيارى هو الأصل ؛ فالتظلم ــ أصلاً ــ متروك لتقدير ذوى الشأن ولا إكراه أو إجبار ــ كمبدأ ــ على القيام به . والإستثناء أن يكون التظلم إجبارياً حيث يقدر المشرع فى ظروف معينه وحالات محددة ، جدوى وضرورة التظلم فيتطلبه جبراً قبل تحريك الدعوى . ويعتبر بذلك شرطاً إضافياً من شروط قبول الدعوى . وقد أبرز مجلس الدولة الفرنسى هذا الأصل العام فى أحكماه المتعددة ؛ إذ جعل من التظلم الإدارى حقاً لكل ذى مصلحة ورتب عليه إنقطاع الميعاد الخاص برفع دعوى تجاوز السلطة ، إذ يقول فى أحد الأحكام : " كل قرار إدارى يمكن ان يكون موضوعاً خلال المدة المعينة لدعوى قضائية ، أو لتظلم إدارى ولائى أو رئاسى ، وهذا التظلم يقطع ميعاد الطعن لتجاوز السلطة " .وكذلك إستقر القضاء الإدارى المصرى على هذا الاصل ، وفى حكم حديث نسبياً قضت المحكمة الادارية العليا بأن " اللجوء إلى القضاء أمر إختيارى . لا إلزام على الموظف أن يلجأ للقضاء فاللجوء إلى القضاء لا يحول دون الإلتجاء إلى أولى الأمر من حيث التظلم وأساس ذلك أن التظلم هو الأصل فى مجال استخلاص ذوى الشأن لحقوقهم ورفع الظلم عنهم ؛ حيث أن الادارة وهى الخصم الشريف يتعين عليها أن تعطى الحق لأصحابه دون تكبدهم مشقة القضاء وإجراءاته ويؤكد ذلك ان المشرع حرصاً منه على تخفيف العبء عن العامل وتجنيبه أعباء التقاضى اشترط لقبول دعوى الالغاء فى بعض الاحوال أن يسبقها تظلم ، لعل صاحب المصلحه يحقق طلباته دون طرح المنازعة على القضاء[14] ".
لصاحب الشأن ألا يتظلم من القرار ــ فهو بالخيار ــ ويتجه مباشرةً ــ إن رأى وجهاً لذلك ــ إلى القضاء بدعوى إلغاء ضد هذا القرار .
نتيجة لما سبق ، يجوز من باب أولى ؟أن يجمع صاحب الشأن بين الطريقين فى آن واحد ، فبعد تقديم التظلم فى الميعاد ، لاينتظر الفصل فى هذا التظلم ولا ينتظر أيضاً فوات الستين يماً من تاريخ وصول تظلمه للجهة الغدارية ، فيرفع دعوى الإلغاء فى خلال المدة الأولى الأصلية والى قدم فيها تظلمه .
ومع ذلك فقد قضت محكمة القضاء الإدارى بأن إلتجاء صاحب الشأن إلى أحد الطرقيين لا يحول دون إلتجائه إلى الطريق الآخر ، على أ، تراعى مواعيد الطعن القانونية[15].
وهنا يأخذ الموقف أحد الفروض الآتيه : إما أن ترفض الإدارة التظلم ، فلا يضيره ذلك شئ لأن دعوى الإلغاء قد تم رفعها وينتظر الفصل فيها ، وتكون قد رفعت فى الميعاد ، وإما أن تجيبه الإدارة إلى مطلبه كلياً ، وهنا تصبح الدعوى عديمة الجدوى ، ويحكم القاضى برفضها لا لعدم رفعها فى الميعاد ، فهى قد رفعت فى الميعاد وإنما لأن الدعوى أصبحت غير ذى موضوع ولم يعد لصاحب الشأن مصلحة فى الإستمرار فى دعواه ، وكما نعمل فغن شرط المصلحة يشترط توافره عند رفع الدعوى وأن يسيتمر حتى يتم الفصل فيها .وإما أن تستجيب الإدارة إلى جزء من طلباته ، فهو بالخيار فى هذه الحالة ، بأن يستمر فى دعواه أو أن يتركها تشطب لقناعته بما حصل عليه ورضائه به .وإما أن تسكت ولا ترد على طلبه وهنا يستمر فى متابعة دعواه القضائية ولا يلتفت لصمت الإدارة .
ونستخلص من رقم[3] إختلافاً جوهرياً بين التظلم الاختيارى والتظمل الاجبارى ، فبالاضافة لعنصر الإلزام فى التظلم الثانى نجد أنه لايجوز مطلقاً رفع الدعوى قبل إجرائه ، فهو دائماً سابق على تحريك دعوى الإلغاء ، أما التظلم الاختيارى فهو كما يكون سابقاً على رفع الدعوى يمكن أن يكون لاحقاً عيها ، وتقبل دعواه مادام تم رفعها فى الميعاد .
يتحدث الفقه والقضاء عن التظلم الولائى والتظلم الرئاسى ، وهذا وذاك يقدم إلى الجهة الإدارية التى يتبعها مصدر القرار ويرتبط بها برابطة تبعية Subordination ، وكن لم نجد أى صدى فى الفقه المصرى ولا فى أحكام القضاء المصرى ، تخص التظلم الى السلطة الوصائية الادارية فهل التظمل الى هذا السلطة يحدث أثره فى إنقطاع ميعاد الطعن بالإلغاء ؟
ظاهر نص المادة 24 من قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972م يعطى إجابة بالنفى على ذها التساؤل ، لأنه يتحدث عن التظمل الى الهيئة الادارية التى اصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية .،
وسلطة الوصاية ليست هيئة رئاسيه لمصدر القرار ، ومعنى ذلك أن التظلم ليها لا يقطع الميعاد . ويرى البعض ــ دون التعرض لهذا المسألة مباشرة ــ أن تقديم التظلم الى أية جهة أخرى لا ينتج أثره فى قطع الميعاد إذا لم تعلم به الجهة الإدارية المختصة .
والحقيقة أننا نرى مع تسامح القضاء فى إجراءات التظلم وحيال دعوى الإلغاء بصفة عامة أن التظلم الى السلطة الوصائية ينتج أثره فى قطع ميعاد رفع دعوى الالغاء ، على الاقل فيما يخص النظام القانونى المصرى، لأن سلطة الوصاية تملك حاجة الشاكى وقضاء مظلمته ، فهى تملك سحب قرار السلطة الخاضعة للوصاية . وتملك أيضاً إلغاءه ، كل ما تملكه هو تعديل القرار أو إحلال آخر محله إلا فى حالات محدده بنص وفى حدود هذا النص بالنسبة للحلول . وعلى ذلك فالسحب والالغاء كافيان لأعدام القرار الغير المشروع ، وتتحقق بذلك الحكمة التى كان يصبو إليها حينما قرر أن التظلم يقطع مبعاد الطعن بالإلغاء ، وهى تفادى قيام أنزعه قضائية فى الوقت الذى تستطيع فيه الادارة وهى خصم شريف إنهاء هذه الأنزعة والإحالة دون وصولها الى ساحة القضاء . ولكن بعض الفقه الفرنسى لا يؤيد وجهة النظر هذه ويرى بأن التظلم إلى السلطة الوصائية لا يقطع الميعاد إلا بنص قانونى يقرر ذلك .
وموقف الفقه الفرنسى مبرر ولا تعليق عليه حالياً ، وذلك راجع لأن القوانين الحديثة المتعلقة باللامركزية الادارية فى فرنسا بدءاً من قانون 2 مارس 1982 م وجميع التعديلات التى طرات عليه ، قد أنهت الوصاية الادارية كلية ولم يعد لسلطة الوصاية أى سلطة حيال أعمال السلطة المحلية ، وأصبح ممثل السلطة المركزية لايملك حيال هذا الأعمال إلا الطعن عليها أمام القضاء الادارى شأنه فى ذلك شأن الأفراد المخاطبين بهذه القرارات